الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص292
فإذا قيل : إنه لا كتاب لهم ، وهو مذهب أهل العراق ، فدليله قول الله تعالى : ( أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ) [ الأنعام : 156 ] .
فدل على أنه لا كتاب لمن عداهما ، ولأن رسول الله ( ص ) حين كاتب كسرى وقيصر ، قال في كتابه إلى قيصر ( ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ) [ آل عمران : 64 ] .
فجعلهم من أهل الكتاب ، ولم يكتب إلى كسرى بهذا ، وكتب ‘ أسلم تسلم ‘ فدل على أنه ليس لهم كتاب ، ولأن رسول الله ( ص ) قال ‘ سنوا بهم سنة أهل الكتاب ‘ ولو كان لهم كتاب لاستغنى عن هذا بأن قال هم أهل الكتاب .
ولرواية ابن عباس أن المسلمين بمكة قبل الهجرة كانوا يحبون أن يظهر الروم على فارس ، لأنهم أهل كتاب ، وكان مشركو قريش يحبون أن يظهر فارس على الروم ، لأنهم غير أهل كتاب ، فلما غلبت فارس الروم سر المشركون ، وقالوا للمسلمين : تزعمون أنكم ستغلبونا ، لأنكم أهل كتاب ، وقد غلبت فارس الروم ، والروم أهل كتاب ، فأخبر رسول الله ( ص ) بذلك فساءه فنزل عليه قوله تعالى ( آلم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء ) [ الروم : 1 – 5 ] . ففرح المسلمون بذلك ، وبادر أبو بكر إلى كفار قريش ، فأخبرهم بما انزل الله على رسوله من أن الروم ستغلب فارسا ، وتقامر أبو بكر وأبي بن خلف على هذا بأربع قلائص إلى ثلاث سنين ، وكان القمار يومئذ حلالا ، فلما علم رسول الله ( ص ) أن أبا بكر قدر لهم هذه المدة ، أنكرها ، وقال : ‘ ما حملك على ما فعلت ؟ ‘ قال : ثقة بالله ورسوله . قال : فكم البضع ؟ قال : ما بين الثلاث إلى العشر . فقال له : زدهم في الخطر ، وازدد في الأجل فزادهم قلوصين وازداد منهم في الأجل سنتين ، فصارت القلائص ستا ، والأجل خمسا ، فلما أراد أبو بكر الهجرة علق به أبي بن خلف وقال له : أعطني كفيلا بالخطر أن غلبت ، فكفل به ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر ثم إن الله تعالى أنجز وعده في غلبة الروم لفارس في عام بدر ، ونصر رسوله على قريش يوم بدر ، وقيل : إنه كان النصران في يوم واحد ، فعلم بهذا الخبر أن الفرس ، وهم المجوس لم يكن لهم كتاب ، وأن الروم من النصارى هم أهل الكتاب ، ولأنهم لو كانوا أهل كتاب ، لظهر فيهم كظهور التوراة والإنجيل ، ولجرت عليهم من استباحة مناكحهم ، وأكل ذبائحهم أحكام أهل الكتاب كاليهود والنصارى .
وإذا قلنا بالقول الثاني أنهم أهل كتاب ، فدليلنا رواه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن أبي سعيد بن المرزبان عن نصر بن عاصم ، قال : قال فروة بن نوفل الأشجعي .