الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص290
والقسم الثاني : أن يدخلوا فيه مع المبدلين كطوائف من نصارى العرب ، فيكونوا كالداخل فيه بعد النسخ .
والقسم الثالث : أن يشكل حال دخولهم فيه هل كان مع المبدلين أو مع غير المبدلين ؟ أو يشكل هل دخلوا قبل التبديل أو بعد التبديل كتنوخ وبهراء وبني تغلب ، فهؤلاء قد وقفهم الإشكال بين أصلين :
أحدهما : يوجب حقن دمائهم واستباحة نكاحهم كالداخل فيه مع غير المبدلين .
والثاني : يوجب إباحة دمائهم ، وحظر مناكحهم كالداخل فيه مع المبدلين ، فوجب أن يغلب في الأصلين معا حكم الحظر دون الإباحة ، فيقروا بالجزية حقنا لدمائهم ، لأن أصل الدماء على الحظر ، ولا تنكح نساؤهم ، ولا تؤكل ذبائحهم ، لأن أصل الفروج على الحظر ، والحظر تعيين ، والإباحة شك ، فغلب حكم اليقين على الشك ، وصاروا في ذلك كالمجوس فهذا حكم الكتاب المشهور ، والدين المعروف .
فإن قيل : إنه لا يجري عليهم حكم أهل الكتاب لم يقروا على دينهم وإن تحققنا كتابهم .
وإن قيل : إنهم يقرون على دينهم وتحفظ حرمة كتابهم ، فلا يخلو حالهم من ثلاثة أقسام :
أحدهما : أن يتحقق صدقهم ، يعرف كتابهم ، فيكونوا كاليهود والنصارى في إقرارهم بالجزية ، واستباحة مناكحهم ، وأكل ذبائحهم .
والقسم الثاني : أن يتحققوا كذب قولهم ، وأن لا كتاب لهم ، فيكونوا كعبدة الأوثان في استباحة دمائهم ، وحظر مناكحهم .
والقسم الثالث : أن يحتمل ما قالوه الصدق والكذب ، وليس على أحدهما دليل يقطع به ، فلا يقبل فيهم قول كفارهم .
فإن أسلم منهم عدد يكون خبرهم مستفيضا حكم بقولهم في ثبوت كتابهم وإقرارهم بالجزية على دينهم ، واستباحة مناكحهم .
وإن لم يسلم منهم من يكون خبره مستفيضا متواترا ، ولم يعلم قولهم إلا منهم في حال كفرهم ، فيقرون بالجزية ، لأنها مال بذلوه لا يحرم علينا أخذه ، وأصل الدماء على الحظر ، فلا يحل لنا قتلهم .