الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص284
خيرا ، وقال له : ‘ إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى خصال ثلاث أيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم ، ادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك ، فاقبل منهم ، وكف عنهم ، وإن أبوا فالجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم ، وكف عنهم وإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ‘
وقد أخذ رسول الله ( ص ) الجزية من أهل نجران ، ومن مجوس هجر ، وأخذها من أهل أيلة ، وهم ثلاث مائة رجل أخذ منهم ثلاثمائة دينار ، ولأن في أخذ الجزية منهم معونة للمسلمين ، وأناة بالمشركين في توقع استنصارهم ، وذلة لهم ربما تبعثهم على الإسلام ، فجور النص لهذه المعاني الثلاثة أخذها منهم .
واختلف في المأخوذ منهم على أربعة مذاهب .
أحدها : – وهو مذهب الشافعي – أنها تؤخذ من أهل الكتاب عربا كانوا أو عجما ، ولا تؤخذ من غير أهل الكتاب عربا ولا عجما ، فاعتبرها بالأديان دون الأنساب .
والثاني : – على ما قاله أبو حنيفة – بأنها تؤخذ من جميع أهل الكتاب ، ومن عبدة الأوثان ، إذا كانوا عجما ، ولا تؤخذ منهم إذا كانوا عربا .
والثالث : – ما قاله مالك – أنها تؤخذ من كل كافر من كتابي ، ووثني ، وعجمي ، وعربي ، إلا من كفار قريش ، فلا تؤخذ منهم ، وإن دانوا دين أهل الكتاب .
والمذهب الرابع : – ما قاله أبو يوسف – إنها تؤخذ من العجم سواء كانوا أهل كتاب أو عبدة أوثان ، ولا تؤخذ من العرب سواء كانوا من أهل الكتاب أو من عبدة الأوثان ، فجعلها معتبرة بالأنساب دون الأديان ، فصار الخلاف مع الشافعي في حكمين :
أحدهما : في عبدة الأوثان ، فعند الشافعي لا تقبل جزيتهم ، وعند غيره تقبل .
والثاني : في العرب ، فعند الشافعي تقبل جزيتهم ، وعند غيره لا تقبل .
فأما الحكم الأول في عبدة الأوثان ، فاستدل من ذهب إلى قبول جزيتهم بحديث سليمان بن بريدة ، أن النبي ( ص ) كان إذا بعثه على جيش قال له ‘ ادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ‘ ولم يفرق بين عبدة الأوثان وأهل الكتاب ، وإن كان أكثرهم عبدة أوثان ، ولأن رسول الله ( ص ) أخذ الجزية من المجوس وليس لهم