الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص276
قال الماوردي : وهذا الباب أورده الشافعي ، وليس من الفقه ، ليوضح به صدق الله تعالى في وعده ، وصدق رسوله في خبره ، ليرد به على من ارتاب بهما ، فصار تاليا للسير .
فأما كتاب الله تعالى ، فقال : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) [ التوبة : 33 ] . أما قوله ( بالهدى ودين الحق ) ففيه ثلاث تأويلات :
أحدها : أن الهدى هو دين الحق ، وإنما جمع بينهما لتغاير لفظيهما ، ليكون كل واحد منهما تفسيرا للآخر .
والتأويل الثاني : معناه أنه أرسله بالهدى إلى دين الحق ، لأن الرسول هاد ، والقرآن هداية ، والمأمور به هو دين الحق .
والتأويل الثالث : أن الهدى هو الدليل ، ودين الحق هو المدلول عليه .
وأما قوله : ( ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) [ التوبة : 33 ] . فقد دفعه المتشككون في أديانهم ، وقالوا : قد بقيت أطراف الأرض من الروم ، والترك ، والهند ، والزنج ، وغيرهم من الأمم القاصية ، ما أظهر دينه على أديانهم ، فلم يصح هذا الموعد .
والجواب عن هذا القدح أن أهل التأويل قد اختلفوا في هاء الكناية التي في قوله : ( ليظهره على الدين كله ) إلى ماذا تعود على ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تعود إلى الهدى .
والثاني : أنها تعود إلى دين الحق وحده .
والثالث : أنها تعود إليهما ، وهو الأظهر .
فأما الهدى ففي معنى إظهاره ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه إظهار دلائله ، وحججه ، وقد حقق الله فعل ذلك فإن حجج الإسلام أظهر ودلائله أقهر .
والوجه الثاني : أنه إظهار رسوله ( ص ) وقد حقق الله تعالى ذلك ، فإنه ما حارب قوما إلا انتصف منهم ، وظهر عليهم .
والوجه الثالث : أنه بقاء إعجازه ما بقي الدهر ، فإن معجز القرآن باق على مرور الأعصار ، ومعجز موسى فلق البحر ، وعيسى في إحياء الموتى ، منقطع لم يبق .
وأما الدين ، ففي إظهاره على الدين كله ثلاثة أوجه :