الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص272
فأما حديث أبي جندل ، وأبي بصير ، فهو منسوخ بحديث أم كلثوم ، وعلى أنهما كانا ذوي عشرة طلبا رغبة فيهما ، وإشفاقا عليهما ، فخالفا من عداهما .
والوفاء بالعود محظور ، يجب ، ولا يستحب لما فيه من الخوف على نفسه ودينه .
فإن افتدى نفسه بمال ساقه إليهم ، ثم غنمه المسلمون منهم نظر ، فإن كان بذله لهم مبتدئا كان ذلك المال مغنوما ، وإن شرطوه على إطلاقه ، كان ذلك المال باقيا على ملكه ، ويكون أحق من الغانمين به .
وهكذا إذا افتدى الإمام أسرى في دار الحرب بمال ساقه إليهم من بيت المال ، ثم غنم ذلك المال منهم ، لم يملكه الغانمون عنهم ، لأنه مال المسلمين صار إليهم بغير حق ، فوجب أن يعود إلى حقه في بيت المال .
قال الماوردي : إذا ابتاع الأسير من أهل الحرب مالا بثمن أطلقوه عليه ، ليحمله إليهم من بلاد الإسلام ، لم يخل ابتياعه من أن يكون عن مراضاة أو إكراه .
فإن كان عن مراضاة لزمه الوفاء به ، وحمل الثمن إليهم ، لأن العقود في دار الحرب لازمة ، كلزومها في دار الإسلام ، ولذلك كان تحريم الربا في الدارين سواء وإن كان عن إكراه ، فعقد المكره باطل ، ويجب عليه رد المال ، لأنه قبضه عند استئمان ، وفيما يلزمه من رده وجهان :
أحدهما : يلزمه رد ما ابتاعه لفساد العقد ، وضمانه الرد ، وهو الظاهر من مذهب الشافعي .
والوجه الثاني : – وهو قول أبي علي بن أبي هريرة – أنه يكون مخيرا بين رد ما ابتاعه منهم ، لأن عين مالهم ، وبين دفع ثمنه ، لأنهم قد امتنعوا به ، فلو تلف منه ما ابتاعه نظر في تلفه .
فإن كان بفعله ، فعليه ضمانه ، وإن تلف بغير فعله اعتبر حال قبضه منهم ، فإن كان باختياره وجب عليه ضمانه ، وإن كان مكرها عليه لم يضمنه .
وفي ضمانه إذا لزم ما قدمناه من الوجهين :