الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص271
ولا مال وإن لم يأمنهم ، فلا أمان لهم ، ويحوز له اغتيالهم ، لقوله تعالى : ( فانبذ إليهم على سواء ) [ الأنفال : 58 ] .
والحال الرابعة : أن يؤمنوه ، ولا يستأمنوه ، ففيه وجهان :
أحدهما – وهو قول أبي علي بن أبي هريرة – إنهم لا أمان لهم منه ، وإن عقدوا له أمانا منهم ، لأن تركهم لاستئمانه قلة رغبة في أمانه .
والوجه الثاني : – وهو الظاهر من مذهب الشافعي ، وقول جمهور أصحابه – إنه قد صار لهم بأمانهم له أمان منه ، وإن لم يستأمنوه ، لما يوجبه عقد الأمان من التكافؤ فيه .
قال الماوردي : إذا أطلق أهل الحرب أسيرا على اشتراط فداء يحمله إليهم ، فإن حمله ، وإلا عاد إليهم ، لم يجب عليه حمل الفداء ، ولا العود إليهم ، ويكون الشرطان باطلين .
وقال الزهري ، والأوزاعي الشرطان واجبان ، فيؤخذ بحمل المال إليهم ، فإن حمله ، وإلا أخذ بالعود إليهم .
وقال أبو هريرة والحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، وسفيان الثوري : اشتراط الفداء لا زم ، واشتراط العود باطل .
واحتجوا بأن رسول الله ( ص ) عقد صلح الحديبية مع قريش على أنه يرد إليهم من جاء مسلما منهم ، فجاءه أبو جندل بن سهل بن عمرو مسلما ، فرده إلى أبيه ، وجاءه أبو بصير مسلما فرده إليهم مع رسول لهم ، فقتل الرسول ، وعاد ، فقال : يا رسول الله قد وفيت لهم ، ونجاني الله منهم ، فلم ينكره عليه .
ودليلنا : ما روي أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، قدمت على رسول الله ( ص ) بعد صلح الحديبية مسلمة ، وجاء أخواها في طلبها ، فنهى رسول الله ( ص ) عن ردها إليهم ، بقوله تعالى : ( فإن علمتموهن مؤمنات ، فلا ترجعوهن إلى الكفار ) [ الممتحنة : 10 ] . ولأن المعارضة عن رقبة الحر لا تصح ، فبطل الفداء ، وسقط المال .
والهجرة من دار الحرب واجبة ، والعود إليها معصية ، فلم يجز العود