الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص270
فأما حنثه في يمينه إذا خرج ، فمعتبر بحال إحلافه ، وله فيها ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يبدؤا به ، فيحلفوه في حبسه قبل إطلاقه أنهم إذا أطلقوه لم يخرج عنهم ، فهذه يمين مكره لا يلزمه الحنث فيها .
والحال الثانية : أن يطلقوه على غير يمين ، فيحلف لهم بعد إطلاقه أنه لا يخرج عنهم فهذه يمين مختار يحنث فيها إذا خرج ، وكان التزامه للحنث مستحقا .
والحال الثالثة : أن يبتدئ قبل إطلاقه ، فيتبرع باليمين ، إنهم إن أطلقوه لم يخرج عنهم . ففي يمينه وجهان :
أحدهما : أنها يمين اختيار يحنث فيها لابتدائه بها ، كما لو حلف مطلقا .
والوجه الثاني : أنها يمين إكراه لا يحنث فيها ، لأنه لم يقدر على الخروج من الحبس إلا بها كما لو أحلفوه محبوسا .
قال الماوردي : أعلم أن للأسير إذا أطلق في دار الحرب أربعة أحوال : أحدها : أن يأمنوه ويستأمنوه ، فيحرم عليه بعد استئمانهم له أن يغتالهم في أنفسهم وأموالهم ، لقوله تعالى : ( يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) [ المائدة : 1 ] . إلا أن ينقضوا أمانهم له ، فينتقد به أمانه لهم ، لقوله تعالى : ( وإما تخافن من قوم خيانة ، فانبذ إليهم على سواء ) [ الأنفال : 58 ] . ولو استرقوه بعد أمانهم كان الاسترقاق نقضا لأمانهم واستئمانهم .
والحال الثانية : أن لا يؤمنوه ، ولا يستأمنوه ، فلا يكون الإطلاق استئمانا كما لم يكن أمانا ، ويجوز أن يغتالهم في أنفسهم وأموالهم ، ولو أطلقوه بعد ان استرقوه لم يكن الاسترقاق أمانا فيهم ولا أمانا لهم .
والحال الثالثة : أن يستأمنوه ، ولا يؤمنوه ، فينظر ، فإن كان لا يخافهم إما لقدرته على الخروج ، وإما لثقته بكفهم عنه ، فهم على أمانهم منه لا يجوز أن يغتالهم في نفس