الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص269
قال الشافعي رحمه الله : ‘ وإذا أسر المسلم فأحلفه المشركون على أن لا يخرج من بلادهم إلا أن يخلوه فله أن يخرج لا يسعه أن يقيم ويمينه يمين مكره ‘ .
قال الماوردي : ومقدمة هذه المسألة هجرة من أسلم من أهل الحرب ، فلا يخلو أن يكون فيها ممتنعا ، أو مستضعفا ، فإن كان فيها مستضعفا لا يأمن أهلها على نفسه وأهله وماله ، وجب عليه إذا قدر على الهجرة أن يهاجر منها إلى دار الإسلام لقول الله تعالى : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) . الآية [ النساء : 97 ] . فدل على وجوب الهجرة ، ولما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ أنا بريء من كل مسلم مع مشرك قيل : ولم يا رسول الله ، قال : لا تراءا ناراهما ‘ يعني تنظر ناره إلى ناره فيكثر سواد المشركين
وقد روي عن النبي ( ص ) أنه قال ‘ من كثر سواد قوم فهو منهم ‘ ، ولأنه لا يأمن أن يفتن عن دينه أو تسبى الدار فيسترق ولده ، فإن عجز عن الهجرة لضعفه كان معذورا في التأخر عن الهجرة حتى يقدر عليها ، قال الله تعالى : ( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ) [ النساء : 98 – 99 ] .
فأما إذا كان المسلم في دار الحرب ممتنعا في أهل وعشيرة ، فإن لم يأمن الافتتان عن دينه كان فرض الهجرة باقيا عليه .
وإن أمن الافتتان في دينه سقط فرض الهجرة عنه ، لاختصاص وجوبها نصا بالمستضعفين وكان مقامه بينهم مكروها ، لأن المقام على مشاهدة المنكرات منكرا ، والإقرار على الباطل معصية ، لأنها تبعث على الرضا ، وتفضي إلى الولاء .
وقال الله تعالى : ( لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ) [ المائدة : 51 ]