الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص260
فذهب الشافعي إلى أنها تكون غنيمة كسائر الأموال ، يخرج خمسها لأهل الخمس ، وتقسم باقيها بين الغانمين كقسمة الأموال المنقولة إلا أن يرى إمام العصر أن يستنزلهم عنه بطيب أنفسهم ، أو بعوض يبذله لهم ليفضها على كافة المسلمين ، فيمضي ، وإلا فهي غنيمة مقسومة لعموم قول الله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ) [ الأنفال : 41 ] ، فدل على أن ما سوى الخمس للغانمين ، كما قال : ( وورثه أبواه فلأمه الثلث ) [ النساء : 11 ] فدل على أن ما سوى الثلث للأب .
وقال مالك والأوزاعي : الأرض غير مغنومة ، وتصير بالفتح وقفا على كافة المسلمين ، لا يجوز لهم بيعها .
وقال أبو حنيفة : يكون الإمام فيها مخيرا بين ثلاثة أشياء بين أن يقسمها على الغانمين كالذي قاله الشافعي ، وبين أن يقرها على ملك أربابها ، ويضرب عليهم جزيتين :
إحداهما : على رؤوسهم ، والأخرى على أرضهم .
فإذا أسلموا سقطت جزية رؤوسهم ، وبقيت جزية أرضهم تؤخذ باسم الخراج ؛ ويجوز لهم بيعها .
وبين أن يقفها على كافة المسلمين ، فلا يجوز لهم بيعها .
وأما الفصل الثاني : فيما استقر عليه حكم أرض السواد بعد الاستنزال عنها فالذي نص عليه الشافعي في سير الواقدي أن عمر وقفها على كافة المسلمين ، فلا تباع ، ولا توهب ، ولا تورث كسائر الوقوف ، وقال في مثله من كتاب الرهن : إنه لو رهن أرضا من أرض الخراج كان الرهن باطلا ثم إن عمر بعد وقفها أجرها للدهاقين والأكرة بالخراج الذي ضربه عليها يؤديه في كل سنة أجرة عن رقابها ، فيكونوا أحق بالتصرف فيها لأصل الإجازة ، وإن لم تكن ملكا لهم وإذا مات أحدهم انتقل إلى وارثه يدا لا ملكا كالموروث ، وبه قال أبو سعيد الإصطخري ، وأكثر البصريين ، واختلف من قال بهذا فيما توجه الوقف إليه على وجهين :
أحدهما : إلى جميع الأرض من مزارع ومنازل .
والثاني : إلى المزارع دون المنازل ، لأن وقف المنازل مفض إلى خرابها ، فهذا قول من جعلها وقفا .
وقال أبو العباس بن سريج ، وأبو إسحاق المروزي : لم يقفها عمر ، وإنما باعها على أربابها بثمن يؤدى في كل سنة على الأبد بالخراج المضروب عليها لينتفع بها