الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص253
المبارز منهم ويقتلوه ؛ لأنه على أصل الإباحة ، وإن اختص بالمبارزة الواحد ، قال الشافعي : اللهم إلا أن العادة جارة أن من بارز لا يعرض له حتى يعود إلى صفه ، فيحمل على ما جرت به العادة ، وتصير العادة كالشرط .
والضرب الثاني : أن يكون له شرط فضربان :
أحدهما : أن يشترط أن لا يقاتله غير من برز إليه ، فيجب الوفاء بشرطه ؛ لقول الله تعالى ( أوفوا بالعقود ( ) [ المائدة : 1 ] وقول النبي ( ص ) : ‘ المسلمون عند شروطهم ‘ فلا يجوز أن يقاتل المشرك ما كان المسلم على قتاله ، فإذا انقضى القتال بينهما إما بأن ولى المسلم أو جرح فكف عن القتال ، أو ولى المشرك أو جرح فكف عن القتال كان لنا أن نقاتل المشرك ونقتله ؛ لأن أمانه كان مشروطا بمدة المقاتلة فانقضى بزوال المقاتلة ؛ ولأن شيبة بن ربيعة لما أثخن عبيدة بن الحارث يوم بدر ، ولم يبق فيه قتال ، مال علي بن أبي طالب ، وحمزة بن عبد المطلب على شيبة حتى أجازا عليه .
والضرب الثاني : أن يستظهر في أشراط الآمان لنفسه أن يكون آمنا حتى يرجع إلى صفه ، فيحمل على شرطه ولا يجوز أن يقاتل بعد انقضاء المبارزة ، حتى يرجع إلى صفه ، وفاء بالشرط إلا أن يكون من المشرك إحدى ثلاث خصال ، يبطل بها أمانه :
إحداهن : أن يولى عنه المسلم ، فيتبعه ، فيبطل أمانه ، ويجوز لنا أنا نقاتله ونقتله ؛ لأن المبارزة قد انقضت ، وأمانه منا مستحق عند أماننا منه ، فإذا لم نأمنه لم نؤمنه .
والخصلة الثاني : أن يظهر المشرك على المسلم ، ويعزم على قتله ، فيجب علينا أن نستنقذ منه المسلم لما يلزم من حراسة نفسه ، فإن قدر على استنقاذه منه بغير قتله لم يجز أن يقتل ، وإن لم يقدر على استنقاذه منه إلا بقتله جاز لنا أن نقتله ، لأنه لا أمان على قتل مسلم .
والخصلة الثالث : أن يستنجد المشرك أصحابه من المشركين في معونته على المسلم ، فيبطل أمانه ، لأنه كان مشروطا بالمبارزة ، وقد زال حكمها بالاستنجاد ، فإن أعانوه من غير أن يستنجدهم نظر ، فإن نهاهم عن معونته فلم ينتهوا كان على أمانه ، وكان لنا قتال من أعانه دونه ، وإن لم ينهم كان إمساكه عنهم رضا منه بمعونتهم له ، فصار كاستنجاده لهم في نقض أمانه وجواز قتاله وقتله .