الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص241
والاسترقاق ، فلم يتعين الاسترقاق إلا بالاختيار ، ولا خيار له في الذراري فرقوا بالسبي ؛ لاختصاصهم بحكم الرق .
فإذا تقرر هذا لم يخل حدوث السبي في الزوجين من ثلاثة أقسام : أحدها : أن تسبى الزوجة دون الزوج ، فقد بطل نكاحها بالسبي بوفاق من الشافعي وأبي حنيفة في الحكم مع اختلافهما في العلة ، فهي عند الشافعي حدوث الرق ، وعند أبي حنيفة اختلاف الدار .
والقسم الثاني : أن يسبى الزوج دون الزوجة ، فإن لم يسترق ومن عليه أو فودي به لم يبطل نكاح زوجته عند الشافعي ، وأبي حنيفة ، لكن عليه عند الشافعي حدوث الرق ، وعند أبي حنيفة اختلاف الدار .
والقسم الثالث : أن يسبى الزوجان معا ، فعند الشافعي يبطل النكاح بينهما بحدوث الرق ، وعند أبي حنيفة لا يبطل النكاح ؛ لأنه لم يختلف الدار بهما ؛ استدلالا بما روى عن النبي ( ص ) أنه لما استرق سبي هوازن بأوطاس جاءته هوازن بعد إسلامهم ليستعطفونه ويستنزلونه من على سبيهم وردهم عليهم ، وأكثرهم ذوات أزواج وأقرهم على مناكحهم ، ولو بطل النكاح بحدوث الرق لأعلمهم ، ولأمرهم باستئناف النكاح بينهم ، وفي ترك ذلك دليل على بقاء النكاح وصحته ؛ ولأن الرق لا يمنع من ابتداء النكاح ، فوجب أن لا يمتنع من استدامته كالصغر ؛ ولأنه قد يطرأ الرق على الحرية ، كما تطرأ الحرية على الرق ، فلما لم يبطل النكاح بحدوث الحرية على الرق ، وجب أن لا يبطل بحدوث الرق على الحرية .
ودليلنا قول الله تعالى : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) إلى قوله ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ) [ النساء : 22 – 23 ] والمراد بالمحصنات هاهنا ذوات الأزواج ، فحرمهن إلا ما ملكت أيماننا بحدوث السبي ، فكان على عمومه في الإباحة فيمن كان معها زوجها ، أو لم يكن .
وروى أبو سعيد الخدري أن هذه الآية نزلت في سبي هوازن ، ولو كان النكاح باقيا لما جازت الإباحة ، ولكان التحريم باقيا .
والقياس : هو أنه رق طرأ على نكاح ، فوجب أن يبطل به ، كما لو استرق أحدهما .
فإن قيل : إنما بطل النكاح باسترقاق أحدهما ؛ لاختلاف الدارين ، فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أنه إذا اتفق موجب العلتين لم يتنافيا ، فلم يصح التعارض