پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص228

فبلغ ذلك رسول الله ( ص ) فعزله عن الراية وسلمها إلى ابنه قيس بن سعد وقال

( اليوم يوم المرحمة
اليوم تستر فيه الحرمة )

اليوم يعز الله قريشا .

فجعله يوم مرحمة ، وأنكر أن يكون يوم ملحمة ، فدل على الصلح دون العنوة ، ويدل عليه أن رسول الله ( ص ) قدم أمامه الزبير بن العوام ، ومعه رايته وأمره أن يدخل مكة من كداء العليا ، وهي أعلى مكة ، وفيها دار أبي سفيان ، وأنفذ خالد بن الوليد ؛ ليدخل من الليط ، وهي أسفل مكة ، وفيها دار حكيم بن حزام ووصاهما أن لا يقاتلا إلا من قاتلهما على ما قرره من الشرط مع أبي سفيان ، فأما الزبير فلم يقاتله أحد ، ودخل حتى غرس الراية بالحجون ، وأما خالد بن الوليد فإنه لقيه جمع من قريش وحلفائهم بني بكر ، فيهم عكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو وقاتلوه ، فقاتلهم حتى قتل من قريش أربعة وعشرين رجلا ، ومن هذيل أربعة رجال ، ولوا منهزمين ، فلما رأى رسول الله ( ص ) البارقة على رؤوس الجبال ، قال ما هذا ، وقد نهيت خالدا عن القتال ‘ فقيل له : إن خالدا قوتل فقاتل : فقال : ‘ قضى الله خيرا ‘ وأنفذ إليه أن يرفع السيف ، وهذا من دلائل الصلح دون العنوة ؛ لأنه لو كان عنوة لم يذكر القتال ، ولم ينه عنه ، ويدل عليه أن رسول الله ( ص ) في يوم الفتح حين سار لدخول مكة كان يسير أبي بكر وأسيد بن حضير على ناقته لقصوى ، وعليه عمامة سوداء ، ولو دخلها محاربا لركب فرسا ، ثم قص على أبي بكر أنه رأى في المنام أن كلبة أقبلت من مكة فاستلقت على ظهرها ، وانفتح فرجها ، ودر لبنها فقال له أبو بكر : ذهب كلبهم ، وأقبل خيرهم وسيتضرعون إليك بالرحم ، ثم خرج نساء مكة فلطخن وجوه الخيل بالخلوق ، وفيهم قتيلة بنت النضير بن الحارث ، فاستوقفت رسول الله ( ص ) فوقف لها ، وكان قتل أباها النضر بن الحارث صبرا فأنشدته :

( يا راكبا إن الأثيا مظنة
عن صبح خامسة وأنت موفق )
( بلغ به ميتا فإن تحية
ما إن تزال بها الركائب تخفق )
( مني إليه وغيرة مسفوحة
جادت لمانحها وأخرى تخنق )
( أمحمد ها أنت صنو نجيبة
من فوقها والفحل فحل معرق )
( فالنضر أقرب من قتلت قرابة
وأحقهم إن كان عتقا يعتق )
( ما كان ضرك لو منت
وربما من الفتى وهو المغيظ المخنق )

فقال رسول الله ( ص ) : ‘ لو كنت سمعت شعرها ما قتلته ولما رأى الخلوق على خيله ، والنساء يمسحون وجوه الخيل بخمورهن ، قال : ‘ لله در حسان ، كأنما ينطق عن