الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص227
إرهابا لهم وإيثارا للبقيا عليهم ، لينقادوا إلى الصلح والطاعة ، ولو أراد اصطلامهم لفاجأهم بالدخول ، ولكنه أنذر وحذر فلما خفي عليهم من نزل بهم خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتحسسون الأخبار ، وقال العباس وأشياخ قريش : والله لئن دخلها رسول الله ( ص ) عنوة إنه لهلاك قريش آخر الدهر ، فركب بغلة رسول الله ( ص ) الشهباء وتوجه إلى مكة ؛ ليعلم قريش حتى يستأمنوه فبينما هو بين الأراك ليلا و إذا سمع كلام أبي سفيان فعرف صوته ، فتعارفا واستخبره عن الحال ، فأخبره بنزول رسول الله ( ص ) في عشرة آلاف لا طاقة لهم بها فاستشاره ، فقال تأتيه في جواري فتسلم ، وتستأمنه لنفسك وقومك ، وأردفه على عجز البغلة ، وعاد مسرعا به إلى رسول الله ( ص ) فأخبره بحاله فقال : اذهب به فقد أمناه حتى تأتيني به من الغد ، فلما أصبح أتاه به و فأسلم وعقد معه الأمان لأهل مكة ، على أن لا يقاتلوه فقال العباس يا رسول الله ( ص ) إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فقال : عليه السلام : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، من دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن من ألقى سلاحه فهو آمن من أغلق بابه فهو آمن ‘ فكان عقد الأمان متعلقا بهذا الشرط .
وهذا يخالف حكم العنوة فدل على انعقاد الصلح وجود هذا الشرط لأن رسول الله ( ص ) لما آمن أبا سفيان ، وعقد معه أمان قريش على الشروط المقدمة ، أنفذه ؟ إلى مكة مع العباس ثم استدرك مكر أبي سفيان ، وأنفذ إلى العباس أن يستوقف أبا سفيان بمضيق الوادي : ليرى جنود الله فقال أبو سفيان : أغدرا يا بني هاشم : فقال له العباس بل أنت أغدر وأفجر ، ولكن لترى جنود الله في إعزاز دينه ونصرة رسوله ، فلو كان دخوله عنوة لم يقل أبو سفيان : أغدرا ، ولم يجعل استيقافه غدرا ، فلما أقبل رسول الله ( ص ) بعد كتائبه المتقدمة : قال أبو سفيان للعباس : لقد أوتي ابن أخيك ملكا عظيما : فقال له العباس : ويحك إنها النبوة فقال : نعم إذا ، ثم أرسله العباس إلى مكة منذرا لقومه ؟ بالأمان ، فأسرع حتى دخل مكة ، فصرخ في المسجد : فقال : يا معشر قريش ، هذا محمد قد جاء بما لا قبل لكم به ، قالوا : فمه ، قال : من دخل داري فهو آمن ، قالوا : وما تغني عنا دارك ، قال : من دخل المسجد فهو آمن من أغلق بابه فهو آمن من ألقى سلاحه فهو آمن ، فحينئذ كفوا واستسلموا ، وهذا من شواهد الصلح دون العنوة .
ويدل عليه أن راية الأنصار كانت مع سعد بن عبادة عند دخوله مكة ، فقال سعد وهو يريد دخولها :
اليوم يوم يذل الله قريشا .