الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص186
والجواب الثاني : أن رسول الله ( ص ) قد فعل بعد بني النضير مثل ما فعل بهم ، فقطع على أهل خيبر نخلا ، وقطع على أهل الطائف وهي آخر غزواته التي قاتل فيها لزوما على بقاء الحكم في قطعها وأنه غير منسوخ ، ولأن حرمة النفوس أعظم وقتلها أغلظ ، فلما جاز قتل نفوسهم على الكفر ، كان قطع نخلهم وشجرهم عليهم أولى ، فأما استدلالهم بجوابه ما ذكرنا .
أحدها : أن نعلم أن لا نصل إلى الظفر بهم إلا بقطعها ، فقطعها واجب ، لأن ما أدى إلى الظفر بهم واجب .
والقسم الثاني : أن تقدر على الظفر بهم وبها من غير قطعها ، فقطعها محظور ، لأنها مغنم ، واستهلاك الغنائم محظور ، وعلى هذا حمل نهي أبي بكر – رضي الله عنه – عن قطع الشجر بالشام .
والقسم الثالث : أن لا ينفعهم قطعها وينفعنا قطعها فقطعها مباح وليس بواجب .
والقسم الرابع : لا ينفعهم قطعها ولا ينفعنا قطعها فقطعها مكروه ، وليس بمحظور ، وكذلك الحكم في هدم منازلهم عليهم ، على هذه الأقسام قال الله تعالى : ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ) [ الحشر : 2 ] وفيه ثلاث تأويلات :
أحدها : بأيديهم في نقض الموادعة ، وأيدي المؤمنين بالمقابلة ، وهذا قول الزهري .
والثاني : بأيديهم في إخراب دواخلها ، حتى لا يأخذها المسلمون منهم ، وبأيدي المؤمنين في إخراب ظواهرها ، حتى يصلوا إليها ، وهذا قول عكرمة .
والثالث : بأيديهم في تركها ، وبأيدي المؤمنين بإجلائهم عنها ، وهذا قول أبي عمرو بن العلاء .
قال الماوردي : وهذا كما ذكر إذا تترس المشركون بأطفالهم لعلمهم أن شرعنا يمنع من تعمد قتلهم فهذا على ضربين :