پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص182

إحداهما : أن يرجو الظفر بهم إن صابروهم فواجب عليهم مصابرة عدوهم حتى يظفروا بهم ، سواء قلوا أو كثروا ، وهذا أكثر مراد الآية .

والحال الثانية : أن لا يرجو الظفر بهم ، فهاهنا يعتبر المشركون ، فإن كانوا أكثر من مثلي المسلمين جاز أن يولوا المسلمين عنهم ، ويرجعوا عن قتالهم فإن أقاموا على المصابرة والقتال كان مقامهم أفضل إن لم يتحققوا التلف وفي جوازه إن تحقق وجهان :

أحدهما : يجب عليهم أن يولوا ولا يجوز أن يصابروا .

والوجه الثاني : يجوز لهم أن يصابروا ، ولا يجب عليهم أن يولوا ، وهذان الوجهان بناء على الاختلاف الوجهين فيمن أريدت نفسه ، هل يجب عليه المنع عنهما أم لا ؟ على وجهين ، وإن كانوا مثلي المسلمين فأقل حرم على المسلمين أن يولوا عنها وينهزموا منهم إلا في حالتين :

إحداهما : أن يتحرفوا لقتال .

والثانية : أن يتحيزوا إلى فئة لقول الله تعالى : ( يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ) [ الأنفال : 15 ، 16 ] الآية ، فدل هذا الوعيد على أن الهزيمة لغير هذين من كبائر المعاصي ، وقد ذكر رسول الله ( ص ) الكبائر ، فذكر فيها الفرار من الزحف .

وروي عن ابن عباس أنه قال : ‘ من فر من ثلاثة لم يفر ، ومن فر من اثنين فقد فر ‘ .

فأما التحرف للقتال فهو أن يعدل عن القتال إلى موضع هو أصلح للقتال ، بأن ينتقل من مضيق إلى سعة ، ومن حزن إلى سهولة ، ومن معطشة إلى ماء ، ومن استقبال الريح والشمس إلى استدبارهما ، ومن موضع كمين إلى حرز أو يولي هاربا ليعود طالبا ، لأن الحرب هرب وطلب وكر وفر فهذا وما شاكله هو التحرف لقتال .

وأما التحيز إلى فئة فهو أن يولي لينضم إلى طائفة من المسلمين ليعود معهم محاربا وسواء كانت الطائفة قريبة أو بعيدة .

قال الشافعي : : ‘ قريبة أو مبينة ‘ يعني متأخرة ، حتى لو انهزم من الروم إلى طائفة من الحجاز ، كان متحيزا إلى فئة .

روي عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال يوم القادسية : أنا فئة كل مسلم ، فإن انهزم المسلمون من مثلى عددهم غير متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة فهم عصاة لله تعالى فسقة في دينهم ، إلا أن يتوبوا .