پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص181

وأصل هذا أن الله تعالى أوجب في ابتداء فرض الجهاد على كل مسلم أن يصابر في القتال عشرة من المشركين بقوله تعالى : ( يأيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ) [ الأنفال : 65 ] وفيه تأويلان :

أحدهما : لا يعلمون ما فرض الله عليكم من الإسلام .

والثاني : لا يعلمون ما فرض الله عليكم من القتال ، ثم إن الله تعالى نسخ ذلك عنهم عند كثرتهم ، واشتداد شوكتهم لعلمه لدخول المشقة عليهم ، فأوجب على كل مسلم لاقى المشركين محاربا أن يقف بازاء رجلين بعد أن كان عليه أن يقف بازاء عشرة تخفيفا ورخصة بقوله تعالى : ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبون ألفين بإذن الله ، والله مع الصابرين ) [ الأنفال : 66 ] وفيه تأويلان :

أحدهما : بمعونة الله .

والثاني : بمشيئة الله ، ( والله مع الصابرين ) وفيه تأويلان :

أحدهما : مع الصابرين على القتال في معونتهم على عدوهم

والثاني : مع الصابرين على الطاعة في قبول عملهم وإجزال ثوابهم ، فصار فرضا على كل رجل مسلم لاقى عدوه زحفا في القتال أن يقاتل رجلين مصابرا لقتالهما ولا يلزمه مصابرة أكثر من رجلين ، وليس المراد به الواحد إذا انفرد أن يصابر قتال رجلين وإنما المراد به الجماعة من المسلمين إذا لاقوا عدوهم أن يصابروا قتال مثلى عددهم هذا مذهب الشافعي ، وبه قال عبد الله بن عباس .

وقال أبو حنيفة : هذا إخبار من الله تعالى عن حالهم ، وموعد منه إذا صابروا مثلى عددهم أن يغلبوا ، وليس بأمر مفروض اعتبارا بلفظ القرآن ، وأنه خارج مخرج الخبر دون الأمر .

وقال الحسن البصري : وقتادة : هو خارج مخرج الأمر ، لكنه خاص في أهل بدر دون غيرهم ، وكلا القولين فاسد ، لأنه لو خرج مخرج الخبر لم يجز أن يكون بخلاف مخبره ، وقد يوجد أحيانا خلافه ، ولم يجز أن يختص بأهل بدر لنزول الآية ، بعد بدر ، وأن من قاتل ببدر إن لم نخفف عنهم لم يغلظ عليهم ، فثبت أنه أمر من الله تعالى محمول على العموم .

( فصل )

: فإذا تقرر أن فرض المصابرة في قتال المشركين أن يقفوا مصابرين لقتالهم مثليهم ، ولا يلزمهم مصابرة أكثر من مثليهم فلهم في القتال حالتان .