الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص179
وقد أسلم ابنا شعبة اليهوديان في حصار فأحرزا بإسلامهما دماءهما وأموالهما ، وهكذا من بذل الجزية قبل الإسار حقن بها دمه ، وحرم بها استرقاقه ، وصارت له بها ذمة كسائر أهل الذمة ، فإن أقام في دار الإسلام منعنا عنه نفوسنا وغيرنا ، وإن أقام في دار الحرب منعنا عنه نفوسنا ، ولم يلزم أن نمنع منه غيرنا .
أحدهما : تحقن بها دماؤهم بعد الإسار كما تحقن بها دماؤهم قبل الإسار كالإسلام .
والوجه الثاني : لا تحقن بها دماؤهم بعد الإسار وإن حقنت بها قبله لقول الله تعالى : ( حتى يعطوا الجزية عن يد ) [ التوبة : 29 ] وليس لهم بعد الإسار يد .
أحدهما : أنهم قد رقوا بالإسلام ، لأن كل أسير حرم قتله رق كالنساء والصبيان فعلى هذا يسقط خيار الإمام في الفداء والمن .
والقول الثاني : وهو أصح إنهم لا يرقوا إلا بالاسترقاق ، لأن سقوط الخيار من القتل لا يوجب سقوطه في الباقي ، كالكفارة إذا سقط خياره في العتق لعدمه لم يسقط خياره فيما عداه ، فعلى هذا يكون الإمام على خياره فيه بين الاسترقاق أو الفداء أو المن ، لما روي أن العقيلي أسر وأوثق في الحرة ، فمر به رسول الله ( ص ) فقال يا رسول الله ( ص ) بم أخذت وأخذت سابقة الحاج ، فقال : بجريرتك وجريرة حلفائك من ثقيف ، فقال : إني جائع فأطعمني ، وعطشان فأسقني ، فأطعمه وسقاه ، فقال : له أسلم ، فأسلم فقال : لو قلتها قبل هذا لأفلحت كل الفلاح ، وفاداه برجلين من المسلمين .
فدل هذا الخبر على أنه لا يرق بالإسلام حتى يسترق وأنه لا يسقط خياره في الفداء والمن