الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص174
الدنيا ) [ الأنفال : 67 ] يعني المال و ( الله يريد الآخرة ) [ الأنفال : 67 ] ، يعني العمل بما يفضي إلى ثواب الآخرة ، لأن رسول الله ( ص ) شاور فيهم أصحابه ، فأشار أبو بكر باستبقائهم ، وأخذ فدائهم لعل الله أن يهديهم ، وأشار عمر بقتلهم ، لأنهم أعداء الله ، وأعداء رسوله ، فعمل على قول أبي بكر ، وفادى كل أسير بأربعة آلاف درهم ، فأنكر الله تعالى على رسوله ( ص ) ما فعله من الفداء ، وقال ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) [ الأنفال : 68 ] . وفيه تأويلان : أحدهما : ( ولولا كتاب من الله سبق ) أنه سيحل المغانم لكم ( لمسكم فيما أخذتم ) من فداء الأسرى عذاب عظيم قاله ابن عباس .
والثاني : ‘ لولا كتاب من الله سبق ‘ أن لا يؤاخذ أحدا بعمل أتاه على جهالة ( لمسكم فيما أخذتم ) من الفداء ( عذاب عظيم ) قاله ابن إسحاق : قال : وإذا منع من الفداء كالمنع من المن أولى والدليل على جواز المن والفداء قول الله تعالى : ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) [ محمد : 4 ] . وفيه تأويلان :
أحدهما : أنه ضرب رقابهم صبرا بعد القدرة .
والثاني : أنه قتالهم المفضي إلى ضرب رقابهم في المعركة : ( حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ) يعني بالإثخان الجراح ، وبشد الوثاق الأسر ، ثم قال بعد الأسر : ( فإما منا بعد وإما فداء ) والمن والعفو ، والفداء ما فودي به الأسير ، من مال أو أسير ، ثم قال : ( حتى تضع الحرب أوزارها ) فيه تأويلان :
أحدهما : أوزار الكفر بالإسلام .
والثاني : أثقال السلاح بالظفر فورد بإباحة المن والفداء نص القرآن الذي لا يجوز دفعه ، ثم جاءت به السنة ، وروي أن رسول الله ( ص ) منّ على ثمامة بن أثال بعد أن ربطه إلى سارية المسجد أسرا ، فمضى وأسلم في جماعة من قومه ، وحسن إسلامه ومن على أبي عزة الجمحي يوم بدر ، وشرط عليه أن لا يعود لقتاله ، فلما عاد إلى مكة قال : سخرت من محمد ، وعاد إلى قتاله في أحد فدعى رسول الله ( ص ) أن لا يفلت فما أسر يومئذ غيره ، فقال : امنن علي فقال : ‘ هيهات ، ترجع إلى قومك فتقول سخرت من محمد مرتين لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ‘ وضرب عنقه وليس هذا القول من رسول الله ( ص ) على طريق الخبر ، لأن المؤمن قد يلدغ من جحر مرتين ، وإنما هو على طريق التحذير .
ويدل على إباحة الفداء بالأسرى ، ما رواه عمران بن الحصين أن رسول الله ( ص ) فادى يوم بدر رجلا برجلين ، وعلى الفداء بالمال ما فادى به أسرى بدر .