الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج14-ص153
الجزية منهم إن بذلوها مع أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم ، وأما من ليس بأهل كتاب ولهم شبهة كتاب فهم المجوس ، لأن وقوع الشك في كتابهم أجرى عليهم حكمه في حقن دمائهم ، فيجوز أن تؤخذ منهم الجزية ، ولا يجوز أكل ذبائحهم لأن وقع الشك في كتابهم أجرى عليهم حكمه في حقن دمائهم ، فيجوز أن تؤخذ منهم الجزية ، ولا يجوز أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم على الصحيح من المذهب وسيأتي شرحه .
وأما من ليس بأهل كتاب ولا لهم شبهة كتاب فهم أهل الأوثان ومن عبد ما استحسن من الشمس والنار فلا يجوز أن تقبل جزيتهم ولا تؤكل ذبائحهم ، ولا تنكح نساؤهم ، سواء كانوا عربا أو عجما ، ويقاتلوا حتى يسلموا أو يقتلوا .
وقال مالك : تقبل جزيتهم إلا أن يكونوا من قريش ، فلا يقبل منهم إلا الإسلام .
وقال أبو حنيفة : تقبل جزيتهم إلا إن كانوا عجما ولا تقبل جزيتهم إن كانوا عربا حتى يسلموا ، احتجاجا بما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ ألا أدلكم على كلمة تدين لكم بها العرب ، وتؤدي الجزية إليكم بها العجم ؟ شهادة أن لا إله إلا الله ‘ ، فعم بالجزية جميع العجم ما عم بالدين جميع العرب ، فدل على افتراقهما في حكم الجزية .
وروى سليمان بن بريدة عن أبيه قال : كان رسول الله ( ص ) إذا بعث أميرا على سرية أوصاه بتقوى الله في خاصة نفسه وبمن معه من المسلمين خيرا وقال : ‘ إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى خصال ثلاث ، فإلى أيتهن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ‘ وهذا نص في أخذ الجزية من المشركين من غير أهل الكتاب ولأن من جاز استرقاق نسائهم جاز أخذ الجزية من رجالهم كأهل الكتاب ، ولأن الجزية ذل وصغار ، فإذا جرت على أهل الكتاب وهم أفضل ، كان إجراؤها على من دونهم من عبدة الأوثان أولى .
ودليلنا قوله تعالى : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ، وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) [ التوبة : 5 ] فكان الأمر بقتلهم حتى يسلموا عاما ، وخص منهم أهل الكتاب بقبول الجزية ، فقال : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) إلى قوله تعالى : ( من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد ) [ التوبة : 29 ] فكان الدليل في هذا من وجهين :
أحدهما : أن استثناء أهل الكتاب منهم يقتضي خروج غيرهم من استثنائهم ، ودخولهم في عموم الأمر .