الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص94
الحقائق وما أدى إلى هذا فهو مدفوع عقلا وشرعاً ، والدليل على أن للسحر حقيقة وتأثيراً ما قدمناه من الآية على ما بيناه من التفسير مع اختلاف ما تضمنها من التأويل ولو لم تكن له حقيقة لأبان فساده ولذكر بطلانه ، ولما كان للنهي عنه موقعاً وفي هذا رداً لما نطق به التنزيل فكان مدفوعاً ، ويدل عليه قوله تعالى ( ومن شر النفاثات في العقد ) [ الفلق : 4 ] .
والنفاثات السواحر ، في قول الجميع ينفثن في عقد الخيط للسحر .
روى الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله ( ص ) قال من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئاً وكل إليه فلو لم يكن للسحر تأثير لما أمر بالاستعاذة من شره ولكان السحر كغيره .
ويدل عليه ما روى أبو صالح عن ابن عباس أن النبي ( ص ) اشتكى شكوى شديدة فبينما هو كالنائم واليقظان إذا ملكان أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال أحدهما ما شكواه فقال : مطبوب أي مسحور والطب السحر قال ومن طبه قال لبيد بن أعصم اليهودي وطرحه في بئر ذروان تحت صخرة فيها .
فبعث رسول الله ( ص ) عمار بن ياسر فاستخرج منها وتراً فيه إحدى عشرة عقدة ، فأمر بحل العقد فكان كلما حل عقدة وجد راحة حتى حلت العقد كلها فكأنما نشط من عقال .
فنزلت عليه المعوذتان وهما إحدى عشر آية بعدد العقد ، وأمر أن يتعوذ بهما وقد روي هذا الخبر من طرق شتى تختلف ألفاظه وتتفق معانيه ورواه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله ( ص ) مكث أياما يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن فأستيقظ ذات ليلة وقال يا عائشة قد أفتاني ربي فيما استفتيته فيه أتاني رجلان في المنام وذكرت مثل حديث ابن عباس على اختلاف في الألفاظ .
وإذا اثر في رسول الله ( ص ) حين فعل ، وأثر فيه حين نشط مع ما عصمه الله تعالى من بين خلقه كان أولى أن يؤثر في غيره فإن قيل : رسول الله ( ص ) معصوم من السحر لما في استمراره من خلل العقل وقد أنكر الله تعالى على من قال في رسوله ( وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحوراً ) [ الفرقان : 8 ] قيل عصمة الرسول مختصة بعقله ودينه وهو في المرض كغيره من الناس وقد سم يهود خيبر ذراعاً مشوية وقدمت إلى رسول الله ( ص ) فأكل منها ومرض في أخر عمره فكان يقول ما زالت أكلة خيبر تعادني فهذا أوان قطعت أبهري فكان في ذلك كغيره – ولما أجرى الشيطان على لسانه حين قرأ في سورة النجم ( أفرأيتم اللات والعزى ومنوة الثالثة الأخرى ) [ النجم : 19 ، 20 ] تلك