الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص5
بأقرب الحيين وأحلفهم خمسين يمينا وقضى عليهم بالدية فقالوا : ما وقت أموالنا أيماننا ولا أيماننا أموالنا فقال عمر حصنتم بأموالكم دمائكم وهذه قضية منتشرة لم يظهر لعمر فيها مخالف فكانت إجماعاً . ومن القياس أن يمين المدعي قوله فلم يوجب الحكم له كالدعوى ولأنها دعوى فلم يحكم فيها بيمين المدعي كسائر الدعاوى ، ولأن كل دعوى لم يحكم فيها بيمين المدعي عند عدم اللوث ، لم يحكم فيها بيمين المدعي مع وجوب اللوث كالأطراف .
ودليلنا : الحديث الذي رواه الشافعي في صدر الباب أن النبي ( ص ) قال للأنصار حين ادعوا قتل صاحبهم على اليهود تحلفون وتستحقون دم صاحبكم قالوا : لا ، قال : فتبرئكم يهود بخمسين يميناً قالوا : ليسوا بمسلمين فوداه من عنده وقد رواه عباد عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : خرج حويصة ومحيصة ابنا مسعود وعبد الرحمن وعبد الله ابنا سهل إلى خيبر يمتارون فتفرقوا لحاجتهم فمروا بعبد الله بن سهل قتيلاً فرجعوا إلى النبي ( ص ) فأخبروه . فقال لهم النبي ( ص ) تحلفون خمسين يميناً قسامة تستحقون به قتيلكم قالوا : نحلف على أمر غبنا عنه قال : فيحلف اليهود خمسين يميناً فيبرؤون . فقالوا : نقبل أيمان قوم كفار فأتي رسول الله ( ص ) بمال من مال الصدقة فوداه من عنده فكان في هذا الحديث دليل من وجهين – أحدهما – أن النبي ( ص ) قال : ‘ تحلفون وتستحقون دم صاحبكم ) . فبدأ بهم ، وجعل الدم مستحقاً بأيمانهم وأبو حنيفة يبدأ بغيرهم ويجعل الدم مستحقاً بأيمان غيرهم .
الثاني : قوله فتبرئكم يهود بخمسين يميناً فنقل الأيمان عنهم إلى غيرهم وجعلها مبرئة لهم وأبو حنيفة لا ينقل الأيمان ولا يبرئ بها من الدم ، فاعترضوا على حديث سهل بن أبي حثمة من ثلاثة أوجه :
أحدهما : أن سهل بن أبي حثمة كان طفلا لا يضبط ما يرويه . والجواب عنه : أنه قد كان ضابطاً لحاله وقد روى أبو بكر النيسابوري في زياداته عن إبراهيم الحربي أنه كان لسهل حين مات رسول الله ( ص ) ثمان سنين وقد عمل التابعون بما رواه .
والاعتراض الثاني : أن سفيان بن عيينة روى عن سهل بن أبي حثمة أن النبي ( ص ) بدأ في القسامة بأيمان اليهود والجواب عنه : أنها رواية تفرد بها سفيان وشك فيها هل بدأ بأيمان الأنصار أو اليهود . وقد قال أبو داود وهم سفيان في هذا الحديث .
والاعتراض الثالث : أن بشير بن يسار روى عن سهل بن أبي حثمة أن النبي ( ص ) قال للأنصار أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم ؟
قال : محمد بن الحسن قال تلك لهم على وجه الإنكار عليهم ما قال تعالى