الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص386
هدرا وجب أن يكون فيما دون الجنين أقل مما في الجنين ولا يكون هدراً ، واستدل الشافعي على أن لا شيء فيه بأمرين :
أحدهما : أن وجوب الغرم لثبوت الحرمة وليس له قبل بيان خلقه حرمة فكان هذا كالنطفة .
والثاني : أن حياة الإنسان بين حالتين بين مبادئ خلقه وبين غايته بعد موته ، فلما كان في آخر حالتيه بعد الموت هدراً وجب أن يكون في الأولى من حالتيه قبل بيان الخلق هدراً ، وفي هذين دليل وانفصال .
أحدها : وجوب الغرة .
والثاني : أن تصير به الأمة أم ولد .
والثالث : أن تنقضي به العدة ، وإذا كان كذلك فقد وصف الله تعالى حال الإنسان في مبادئ خلقه إلى استكماله فقال تعالى ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) [ المؤمنون : 12 ] .
وفيه قولان :
أحدهما : أن آدم وحده استل من طين وهو المخصوص بخلقه منه قاله قتادة .
والثاني : أنه أراد كل إنسان ؛ لأنه يرجع إلى آدم الذي خلق من سلالة من طين قاله مجاهد .
وفي السلالة تأويلان :
أحدهما : أنها الصفوة .
والثاني : أنها القليل الذي ينسل .
ثم ذكر حالة ثانية في الولد فقال تعالى ( ثم خلقناه نطفة في قرار مكين ) [ المؤمنون : 13 ] يعني به ذرية آدم المخلوقين من تناسل الرجال والنساء ، لأنه خلق من طين ولم يخلق من نطفة التناسل ، والنطفة هي ماء الذكر الذي يعلق منه الولد وهو أول خلق الإنسان .
وقوله تعالى : ( في قرار ) يعني به الرحم ( مكين ) لاستقراره فيه ، فصارت النطفة في أول مبادئ خلقه كالغرس ، والرحم في إنشائه كالأرض .