پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص354

ودليلنا هو أن ما أوجبه الشرع من حقوق المواساة كان مقدراً كالزكوات والنفقات فبطل به قول أحمد ، ولكن في تقديره طريقان :

أحدهما : أن يبدأ بتقدير الأقل ، ويجعله أصلا للأكثر .

والثاني : أن يبدأ بتقدير الأكثر ويجعله أصلاً للأقل .

فإن بدأت بتقدير الأقل في حق المتوسط فهو ما خرج عن حد التافه ، لأنه لو اقتصر على التافه جاز الاقتصار على القيراط والحبة وذلك مما لا يفي بالدية وينهدر به الدم ، وحد التافه ما لم يقطع فيه اليد ، لقول عائشة رضي الله عنها لم تكن اليد تقطع على عبد رسول الله ( ص ) في الشيء التافه ، وقد قال النبي ( ص ) : ‘ القطع في ربع دينار ‘ فوجب أن يلزم المقل ما خرج عن حد التافه وهو ربع دينار ، وإذا لزم المقل ربع دينار وجب أن يضاعف في حق المكثر فيلزمه نصف دينار ، كما يلزم الموسر في النفقة مثلا نفقة المعسر ، وإن بدأت بتقدير الأكثر في حق المكثر فهو أن أول ما يواسي به الغني في زكاته نصف دينار ، من عشرين ديناراً ، فحمل الغني نصف دينار ، لأن الزيادة عليه تؤول إلى الإجحاف ، ولا يقف على مقدار ، وإذا لزم الغني نصف دينار وجب أن يقتصر من المقل على نصفه كما أن نفقة المعسر نصف نفقة الموسر ، وفي هذا التقدير دليل وانفصال .

( فصل )

فإذا ثبت تقديره بنصف دينار في حق المكثر وربع دينار في حق المقل فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين :

أحدهما : وهو قول أكثرهم : أن هذا قدر ما يؤخذ في السنة الواحدة ، فيكون في السنين الثلاث على المكثر دينار ونصف من جميع الدية ، وعلى المقل ثلاثة أرباع الدينار من جميع الدية . والوجه الثاني : وهو قول أقلهم : أن هذا قدر ما يؤخذ من جميع الدية في السنين الثلاث ، فيصير المأخوذ من المكثر في كل سنة منها سدس دينار ، والمأخوذ من المقل في كل سنة نصف سدس دينار ، والأول أشبه ، لأن لكل سنة حكمها ، فإذا ثبت هذا لم يجز العدول عن الإبل مع وجودها ، ومعلوم أن قيمة تعيين إبل الدية أكثر من نصف دينار ، ولا يمكن أن تتجزأ فينفرد كل واحد منهم بجزء قيمته نصف دينار ، فوجب أن يشترك في أداء البعير الواحد العدد الذي يكون قسط الواحد من ثمنه نصف دينار إن كان مكثراً ، وربع دينار إن كان مقلاً ، وهذا عدد لا يمكن حصره ، لأن البعير قد تزيد قيمته في حال وثقل في أخرى ، وإن أعوزت الإبل عدل إلى الدنانير ، إما مقدرة بألف دينار على قوله في القديم ، أو بقيمة مائة بعير على قوله في الجديد ، يحمل المكثر منها