پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص244

وذهب بعض أصحابنا إلى أنه لا يجب في الحالين إلا حكومة إحداهما بالاستحشاف والأخرى بالقطع ، تستوفي بالحكومة جميع الدية لا يجوز نقصانها ، ويجوز زيادتها ، وهذا فاسد ، لأنه لا بد أن يجري على إحدى الحكومتين حكم الجناية على الصحة ، وذلك موجب لكمال الدية .

فأما إذا جنى على أذنه فاسود لونها [ ففيها حكومة كما لو جنى على يده ] لأن سواد اللون في الأبيض شين ، وكذلك بياض اللون في الأسود شين ، والحكومة في الحالين واجبة وإن كانت المنافع باقية .

( مسألة )

قال الشافعي رضي الله عنه : ‘ وفي السمع الدية ويتغفل ويصاب به فإن أجاب عرف أنه يسمع ولم يقبل منه قوله ، وإن لم يجب عند غفلاته ولم يفزع إذا صيح به حلف لقد ذهب سمعه وأخذ الدية ‘ .

قال الماوردي : إذا جنى عليه فأذهب سمعه إما بفعل باشر به جسده أو بإحداث صوت هائل خرق العادة حتى ذهب به السمع ، وإن لم تكن معه مباشرة فالدية في الحالين واجبة لأن الصوت الهائل وإن لم تكن معه مباشرة قد يؤثر في ذهاب السمع ما تؤثره المباشرة .

والدليل على وجوب الدية الكاملة في ذهاب السمع رواية معاذ بن جبل أن النبي ( ص ) قال : ‘ وفي السمع الدية ‘ .

وروي أن رجلا رمى رأس رجل بحجر في زمان عمر فأذهب سمعه وعقله ولسانه وذكره ، فقضى عليه عمر بأربع ديات ، ولأن السمع من أشرف الحواس فأشبه حاسة البصر ، [ واختلف في أيهما أفضل ؟ فقال قوم : حاسة البصر ] أفضل ؛ لأن به تدرك الأعمال ، وقال آخرون : حاسة السمع أفضل ، لأن به يدرك الفهم ، وقد ذكرهما الله تعالى في كتابه فقرنه بذهاب البصر ، لأن بذهاب البصر فقد النظر وبذهاب السمع فقد العقل ، فقال تعالى في البصر ( ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمى ولو كانوا لا يبصرون ) [ يونس : 43 ] وقال في السمع ( ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ) [ يونس : 42 ] .

( فصل )

والسمع لا يرى فيرى ذهابه ، فلم يكن للبينة فيه مدخل مع التنازع ، ولكن