الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص220
وقال الأكثرون : لا تتغلظ الدية فيها وإن تغلظت بحرم مكة ، لأن حرم مكة أغلظ حرمة لاختصاصه بنسكي الحج والعمرة ، وتحريم الدخول إليه إلا بإحرام ، فلذلك تغلظت الدية فيه بخلاف المدينة ، وهكذا اختلف أصحابنا في تغليظ الدية بالقتل في الإحرام على هذين الوجهين .
وأما اعتبارهم الأشهر الحرم بشهر رمضان فغير صحيح ، لأن حرمة شهر رمضان مختصة بالعبادة دون القتل ، وحرمة الأشهر الحرم مختصة بالقتل فلذلك تغلظت الدية بالأشهر الحرم ولم تتغلظ بشهر رمضان .
وأما اعتبارهم ذا الرحم بذي النسب فلا يصح ، لأن حرمة الرحم أقوى لاختصاصها بالتوارث والنفقة .
وأما اعتبار القتل بالزنا ، فالفرق بينهما : أن الزنا لما لم يختلف حكمه باختلاف الأعيان لم يختلف المكان والزمان ، ولما اختلف حكم القتل باختلاف الأعيان جاز أن يختلف بالمكان والزمان .
وأما اعتبارهم نفوس الأحرار بنفوس العبيد والأموال .
فالفرق بينهما : أنه لما لم يختلف في نفوس العبيد والأموال غرم العمد والخطأ لم يختلف بالزمان والمكان ، ولما اختلف في نفوس الأحرار غرم العمد والخطأ اختلف بالزمان والمكان والله أعلم .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز أن يقتص من القاتل في الحل إذا لجأ إلى الحرم ، ويلجأ إلى الخروج منه بالهجر وترك المبايعة والمشاراة معه حتى يخرج فيقتص منه في الحل ، استدلالاً بقول الله تعالى : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ) [ آل عمرا : 96 ] .
وقوله تعالى : ( أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) [ العنكبوت 67 ] فوجب بهاتين الآيتين أن يكون داخله آمنا ، وليس قتله فيه أمنا .
وروي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ أعتى الناس على الله القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه والقاتل في الحرم ، والقاتل في الجاهلية ‘ .