الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص182
بما ذكرنا ، ولو قطعهما من رجلين في حالة واحدة وجب لصاحب الوسطى القصاص إذا استوفاه صاحب العليا ، ويصير كما لو تقدم بقطع العليا ثم الوسطى ، لأن القصاص مستحق بعد القطع والعليا بعده مستحقة القطع .
قال الماوردي : والمماثلة في القصاص معتبرة في الجنس والنوع ، فالجنس أن تؤخذ اليد باليد ، ولا تؤخذ يد برجل ، والنوع أن تؤخذ يمنى بيمنى ، ولا تؤخذ يمنى بيسرى ، فإذا قطع يده اليمنى وكان للقاطع يد يمنى أخذناها قوداً ، وإن لم يكن له يمنى سقط القصاص إلى الدية ولم يؤخذ بها اليسرى لعدم المماثلة وهو قول الجمهور .
وقال شريك بن عبد الله : أقطع اليمنى باليمنى ولا أعدل عنها إلى اليسرى ، فإن عدمت اليمنى قطعت اليسرى بها ، لاشتراكهما في الاسم وتماثلهما في الخلقة وتقاربهما في المنفعة وهذا خطأ ، لقول الله تعالى ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) [ النحل : 126 ] ولأن ما تميز محله وتفرد بنوعه لم يكن الاشتراك في الاسم العام موجباً للقصاص كالإصبع لا تؤخذ السبابة بالوسطى وإن اشتركا في الاسم لاختلافهما في المحل ، ولأنه لو جاز أخذ اليسرى باليمنى عند عمدها لجاز أن تؤخذ بها مع وجودها وذلك غير جائز مع الوجود فكذلك مع العدم .
قال الماوردي : وهذه المسألة يشتمل في القاطع والمقطوع على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يقطع أذنه فيبينها ثم إن المقطوع أذنه ألصقها بديها فالتحمت مندملة ثم سأل القصاص من القاطع اقتص له منه لوجوب القصاص بالإبانة ، فإن سأل المقتص منه أن تزال أذن المقتص له .
قيل : لا حق لك في إزالتها وإنما تزال في حق الله تعالى ، لأنها بعد الإبانة ميتة نجسة يلزم أخذه بإزالتها لما عليه من اجتناب الأنجاس في الصلاة وهو حق يستوفيه الإمام دونك ، وهكذا لو اقتص من أذن الجاني فألصقها بدمها فسأل المقتص له أن تعاد إزالتها ، قيل : له : قد استوفيت حقك من القصاص بالإبانة ، وإنما تزال في حق الله تعالى لا في حقك ، فلو قطع هذه الأذن الملصقة قاطع من المقتص له أو من المقتص منه لم يضمنها بقود ولا دية ، ويعزر لافتياته على الإمام لا لتعديه على المقطوع ، لأنه مستحق