پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص144

قال الماوردي : وهو صحيح مولى الغريق بالخيار بين قتل المغرق بالسيف لأنه أوجى وبين تغريقه ، لأن المماثلة في التغريق ممكنة ، ويجوز أن يغرقه في ذلك الماء وفي غيره ، فإن غرقه في ماء ملح كان له أن يغرقه في ماء الملح وفي العذب ، لأن العذب أسهل ، وإن غرقه في العذب لم يجز أن يغرقه في الملح ، لأنه أشق ، وإن كان يحسن العوم ربط حتى لا ينجو منه ثم يخرج بعد موته حتى يصلى عليه ويوارى ، سواء فعل ذلك بالغريق الأول أو لم يفعل ، فإن كان في الماء من حيتانه ما يأكل غرقاً ، فإن لم يأكل الحيتان الغريق الأول لم يلق المقتص منه إلا في ماء يؤمن أن يأكله حيتانه ، وإن أكلته الحيتان ففي جواز إلقائه فيه لتأكله حيتانه وجهان إذا اقتصرت الحيتان على إفاتة نفسه دون استهلاك جسده ، فإن استهلكته لم يجز لوجوب حق الله تعالى في مواراة جسده .

( مسألة )

قال الشافعي رضي الله عنه : ‘ ولو قطع يديه ورجليه فمات فعل به الولي ما فعل بصاحبه فإن مات وإلا قتل بالسيف ‘ .

قال الماوردي : وهذا صحيح ولي المقطوع يداه ورجلاه إذا سرت إلى نفسه بالخيار بين ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يضرب عنقه ، فيجوز له ذلك باتفاق ، لأن النفس يقتص من تلفها بالسراية كما يقتص من تلفها بالتوجية .

والحال الثانية : أن يقتص من يديه ورجليه ويعفو عن القصاص في النفس فيجوز ، لأنه لما كان الاقتصاص منها مع عدم السراية كان مع السراية أولى ، فإن اقتص وعفى عن النفس إلى الدية لم يستحقها ، لأنه قد استوفى بقطع اليدين والرجلين أكثر منها ، وهذا من المواضع النادرة التي يجوز أن يقتص فيها من النفس ولا يملك ديتها وقال أبو حنيفة : إذا عفى عن النفس بعد الاقتصاص من الطرف لزمته دية الأطراف ، استدلالا بأن الأطراف تبع للنفس ، فإذا سقط بالعفو القصاص في النفس التي هي أصل سقط في الأطراف التابعة لها ، لأن القصاص لا يتبعض فصار آخذاً لها بغير قصاص ، فلزمه ديتها ، ولا دية عليه عند الشافعي للأطراف مع العفو عن النفس .

وبه قال أبو يوسف ، ومحمد .

ودليلنا هو أن ما لم يضمن من الأطراف إذا اندملت فأولى أن لا يضمن إذا سرت ، لأن القصاص في النفس يسقط بالاندمال كما يسقط بالعفو ، ولأنهما حقان يستوفى كل واحد منهما إذا انفرد ، فجاز مع العفو عن أحدهما أن يستوفى الآخر منهما كالطرفين المختلفين ، وكالدين ، وإذا جاز ذلك سقط فيه الضمان .