الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص74
قد يكون بالمباشرة تارة ، وبالسبب أخرى ، فلما وجب القود بالمباشرة جاز أن يجب بالسبب ، لأنه أحد نوعي القتل .
وموجب تعليل البصريين في سقوط الدية والكفارة ، ومخالف لتعليل البغداديين في وجوب نصف الدية والكفارة مع سقوط القود ، وهو مخالف للقول الثاني للشافعي في جميع أحكامه ، لأنه يجري عليه حكم الإمام الآمر في وجوب القود والدية والكفارة ، وأبو حنيفة يسلبه بالإكراه جميع أحكام الإمام استدلالا بقول النبي ( ص ) : ‘ عفي لأمتي عن الخطإ والنسيان وما استكرهوا عليه ‘ ولأنه قتله لإحياء نفسه ، فوجب أن يسقط عنه القود كالمقتول دفعاً عن نفسه ، ولأن ما أوجب القتل بفعل المختار سقط فيه القتل بفعل المكره كالزنا ، ولأن الإكراه قد نقل حكم المباشرة إلى الآمر ، فوجب أن يزول حكمها عن المأمور ، لأن الفعل واحد ، ويصير المأمور فيه كالآلة أو كالسبع المرسل والكلب الشلاء ، ولأن الإكراه يتنوع نوعين : إكراه حكم ، وإكراه قهر ، ثم ثبت أن إكراه الحكم وهو إلجاء الحاكم إلى القتل بشهادة الزور يمنع من وجوب القتل عليه مع أمنه على نفسه ، فكان إكراه القهر أولى أن يمنع من وجوب القود مع خوفه على نفسه ، ولأن الإكراه يكون تارة على القول بأن يتلفظ بكلمة الكفر ، وتارة على القتل بأن يؤمر بالقتل ، ثم ثبت أن حكم الكفر يزول بالإكراه فوجب أن يكون حكم القتل يزول بالإكراه .
ودليلنا عموم قول الله تعالى : ( ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً ) [ الإسراء : 33 ] ولأنه عمد ، قتله ظلماً لإحياء نفسه ، فلم يمنع إحياؤه لها من قتله قوداً ، قياساً على المفطر إذا أكل من الجوع محظور النفس ، ثم هذا أولى بالقتل من المضطر ، لأن المضطر على يقين من التلف إن لم يأكل ، وليس المأمور على يقين من القتل إن لم يقتل ، وعلى أن الأصول تشهد لصحة هذا التعليل ، ألا ترى أن ركاب السفينة إذا خافوا الغرق من ثقلها فألقوا بعضهم في البحر ليسلم باقيهم لزمهم القود ، ولو صادفهم سبع خافوا على أنفسهم فألقوا عليه أحدهم ليتشاغل به عنهم وجب عليهم القود ، كذلك المكره المفتدي نفسه بغيره ، ولأنه لا عذر له في إحياء نفسه بقتل غيره ، لأن حرمة غيره مثل حرمة نفسه ، فلم يكن إحياء نفسه بالغير أولى من إحياء الغير بنفسه فاستويا ، وصار وجود العذر كعدمه ، فاقتضى أن يجب القود بينهما كوجوبه لو لم يكن مكرهاً .