الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص455
وتحريره : أنه مال وجب بحق الزوجية فوجب أن لا تملك به الفسخ كالصداق ، ولأن مد اليسار إذا أعسر به الموسر لم يوجب الخيار كذلك مد المعسر إذا أعسر به لم تستحق به الخيار ، ولأنها تستحق النفقة لنفسها ولخدامها ثم ثبت أنه لا خيار لها في الإعسار بنفقة خادمها فكذلك لا خيار لها في الإعسار بنفقة نفسها ولأن النفقة في مقابلة التمكين ، ثم أنه لو أعوز التمكين منها بالنشوز لم يستحق الزوج به خيار الفسخ ، كذلك إذا أعوزت النفقة من جهته بالإعسار لم تستحق الزوجة به خيار الفسخ ولأن للنفقة حالتين : ماضية ، ومستقبلة .
والماضية دين لا تستحق به الفسخ .
والمستقبلة لم تجب فتستحق بها الفسخ ، فلم يبق سبب يستحق به الفسخ .
ودليلنا الكتاب والسنة والعبرة ، قال الله عز وجل : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) [ البقرة : 229 ] فإذا عجز عن إمساك بمعروف وجب عليه التسريح بإحسان ، ولان المخير بين أمرين إذا عجز عن أحدهما تعين عليه الآخر ، وقال عز وجل : ( ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ) [ البقرة : 231 ] وزوجة المعسر مستضرة فلم يكن له إمساكها .
والسنة ما روى حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي ( ص ) سئل عمن أعسر بنفقة امرأته فقال يفرق بينهما وهذا نص .
وروى أبو الزبير قال سئل سعيد بن المسيب عن رجل أعسر بنفقة زوجته فقال يفرق بينه وبينها قيل سنة قال سنة .
قال الشافعي : وقول الراوي سنة يقتضي سنة رسول الله ( ص ) فصار كروايته عنه فإن قيل فهو مرسل لأن سعيداً تابعي قيل : عضده رواية أبي هريرة ، وانعقاد الإجماع عليه خرج عن حكم المراسيل ، والإجماع أنه قول عمر وعلي وأبي هريرة رضي الله عنهم وكتب به عمر إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم أن ينفقوا أو يطلقوا وليس لهم مع انتشار قولهم في الصحابة مخالف فثبت أنه إجماع لا يسوغ خلافه .
والعبرة : أنه حق مقصود لكل نكاح فوجب أن يستحق الفسخ بإعوازه كالاستمتاع من المجبوب ، والعنين ، والاستدلال بهذا الأصل من طريق الأولى من وجهين ذكر الشافعي أحدهما وذكر أصحابنا الآخر ، فالذي ذكره الشافعي أن البدن يقوم بترك الجماع ولا يقوم بترك الغذاء فلما ثبت الخيار بفوات الجماع كان ثبوته بفوات النفقة