الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص359
فصار إجماعاً ، ولأن الفحل لو نزل له لبن فأرضع به ولداً لم يصر له أبا فلأن لا يصير أبا له بلبن غيره أولى ، ولان اللبن لو كان لهما لكان إذا أرضعت به ولداً يكون أجرة الرضاع بينهما ، فلما اختصت المرضعة بالأجرة دون الفحل دل على أن اللبن لها لا للفحل ، ولأن الرضاع لما اختص ببعض أحكام النسب لضعفه وجب أن يختص بالمرضعة لنفسه .
ودليلنا قوله تعالى ( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم ) [ النساء : 23 ] إلى قوله ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخوانكم من الرضاعة ) [ النساء : 23 ] ومن الآية دليلان ، وينفصل بهما عن استدلالهم بها .
أحدهما : أنه نص على الأمهات تنبيهاً على البنات ، ونص على الأخوات تنبيهاً على الخالات والعمات اكتفاء بما تقدم تفصيله .
والثاني : أن قوله ‘ وأخواتكم ‘ عموم يتناول الأخوات من الأم والأخوات من الأب فلم يقتض الظاهر تخصيص أحدهما ، فقال النبي ( ص ) يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ، وتحريم النسب عام في جهة الأبوين فكذلك تحريم الرضاع .
وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دخل علي أفلح أخو أبي قعيس بعد ما نزلت آية الحجاب ، فاستترت منه فقال : تستترين مني وأنا عمك ، فقالت من أين فقال أرضعتك امرأة أخي فقالت : إنما أرضعتني امرأة ولم يرضعني رجل ، فدخل على رسول الله ( ص ) وحدثه فقال : إنه عمك فليلج عليك .
وهذا نص .
ومن طريق المعنى أن كل من حرم بالنسب حرم بالرضاع كالأم ، وهذا مما وافق فيه لفظ السنة معناها ، ولأن المولود مخلوق من مائهما ، فكان الولد لهما وإن باشرت الأم ولادته فاقتضى أن يكون اللبن الحادث عنه لهما ، وإن باشرت الأم رضاعة ، وإذا كان اللبن لهما وجب أن تنتشر حرمته إليهما ولأن النبي ( ص ) شبه الرضاع في التحريم بالنسب ، وأحكام النسب تنقسم ثلاثة أقسام : قسم يختص بعمودي النسب الأعلى وهم الوالدان والأسفل وهم المولودون ولا يتجاوزهما إلى ما تفرع عليهما ، وذلك وجوب النفقة وسقوط القود والعتق بالملك والمنع من الشهادة .
وقسم يختص بالنسب إلى حيث ما انتشر وتفرع وذلك الميراث .
وقسم يختص بذي الرحم من ذوي الأرحام ، وذلك تحريم المناكح .
فلما لم يلحق الرضاع بالقسم الأول في اختصاصه بعمودي النسب لتحريم الأخوات ، ولم يلحق بالقسم الثاني في اختصاصه بما تفرع على النسب لإباحة بنات