الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص189
وليس لتطاولها بالبلوى من وجه في تغيير الحكم كامرأة المفقود ، فعلى هذا فيما يعتبر من مدة إياسها ؟ قولان :
أحدهما : يعتبر نساء عشيرتها في زمان إياسهن ، فإذا انتهت إلى ذلك السن حكم بإياسها ، فقد قيل : إنه لم تحض امرأة لخمسين سنة إلا أن تكون عربية ، ولم تحض لستين سنة إلا أن تكون قرشية ، وهو قول لم يتحقق ، وحضرتني وأنا بجامع البصرة امرأة ذات خفر وخشوع ، فقالت : قد عاودني الدم بعد الإياس فهل يكون حيضاً فقلت كيف عاودك قالت : أراه كل شهر كما يعتادني في زمان الشباب ، فقلت : ومذ كم رأيتيه فقالت : مذ نحو من سنة قلت : كم سنك ؟ قالت : سبعين سنة ، قلت : من أي الناس أنت ؟ قالت : من بني تميم ، قلت : اين منزلك ؟ قالت : في بني حصين ، فأفتيتها أنه حيض يلزمها أحكامه .
والقول الثاني : يعتبر بإياسها أبعد زمان الإياس في نساء العالم كلهن كما يعتبر في اقل الحيض وأكثر الأقل والأكثر من عادة نساء العالم من غير أن تحيض بأهلها وعشيرتها ، فإذا حكم بإياسها على ما ذكرناه من القولين اعتدت حينئذ بثلاثة اشهر عدة المؤيسة .
قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا مات صبي لا يولد لمثله عن زوجة حامل لم تعتد منه بوضع واعتدت بأربعة أشهر وعشر سواء انقضت قبل وضع الحمل أو بعده .
به قال مالك ، وأبو يوسف وقال أبو حنيفة : إن مات وهي حامل اعتدت بوضع الحمل سواء وضعته قبل أربعة اشهر وعشر أو بعدها ، وإن حدث الحمل بعد موته اعتدت بأربعة اشهر سواء انقضت قبل وضع الحمل أو بعده استدلالا بقوله تعالى : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) [ الطلاق : 4 ] . وبما روي عن النبي ( ص ) أنه قال أجل كل ذات حمل أن تضع حملها فكان عموم الكتاب والسنة يوجب انقضاء عدتها قال : ولأن كل من اعتدت زوجته عنه بالشهر جاز ، وإن تعتد عنه بالحمل كالبالغ ، ولأن كل حمل وقع الاعتداد به إذا كان لاحقا بالزوج جاز أن يقع الاعتداد به ، وإن انتفى عن الزوج كولد الملاعنة .