الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص34
أحدهما : لا يكون إكذاباً لها كما لا يكون إكذاباً لنفسه ، لأنه يقول إن القذف ما احتمل الصدق والكذب ، وأنا صادق في أنها زنت ، فلم أكن قاذفاً ، والشهود قد صدقوا فيما شهدوا به علي من قولي أنها زنت ، فعلى هذا يجوز أن يلاعنها بعد قيام البينة عليه من غير قذف يستجده .
والوجه الثاني : أن يكون مكذباً للبينة بإنكار القذف لأنها شهدت عليه بقول قد نفاه عن نفسه بإنكاره ، وما ذكره من معنى القذف تأويل لا يقبل في حق غيره ، فلذلك كان إكذاباً للبينة ، وإن لم يكن إكذاباً لنفسه فعلى هذا ليس له أن يلاعن بعد قيام البينة إلا بقذف يستجده ، وهذا هو فائدة هذين الوجهين .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، قذف الصبي لا يوجب حداً ولا يبيح لعاناً ، لأنه وبارتفاع القلم عنه لا يجري عليه حكم ، ولا يجب عليه حد ألا ترى أنه لا يجب عليه بالزنا والسرقة حد ولا قطع ، فكذلك في القذف ، ثم ينظر فإن كان مراهقاً يؤذي قذف مثله عزر أدباً ، كما يؤدب في مصالحه ، وإن كان طفلا لا يؤذي قذفه لم يعزر ، فلو جاءت زوجته بولد ، وهو ابن عشر يجوز أن يولد لمثله لم يكن له أن يلاعن لنفيه بالقذف المتقدم قبل بلوغه حتى يستأنف قذفاً بعد البلوغ ، لأنه لم يجر على القذف الأول حكم .
قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا قذف الرجعية في العدة فله أن يلاعن منها ، لأن الطلاق الرجعي لم يسلب من أحكام الزوجية إلا شيئين :
أحدهما : تحريم الوطء ما لم يراجع .
والثاني : جريانها في الفسخ إن لم يراجع حتى تبين بانقضاء العدة ثم هي فيما عداهما جارية في أحكام الزوجات من وقوع الطلاق ، والإيلاء ، والظهار والتوارث ، ولحوق النسب ، وكذلك في اللعان ، وبهذا خالفت المبتوتة المسلوبة لأحكام الزوجات ، ثم له أن يلاعن قبل الرجعة وبعدها ومن غير رجعة ، سواء كانت في العدة ، أو قد انقضت ، فإن قيل : فهلا وقف حكم اللعان قبل رجعته كما وقفت كفارة الظهار فلم تجب قبل الرجعة ؟ ولم يحتسب في مدة الإيلاء ما قبل الرجعة .