الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص30
وقال أبو حنيفة الواجب عليها اللعان دون الحد ، فإن امتنعت عن اللعان حبست حتى تلاعن ، ولم تحد استدلالا برواية عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي ( ص ) قال : ‘ لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال ، كفره بعد إيمانه ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل بغير نفس ‘ فمنع هذا الخبر من قتلها بغير هذه الثلاث خصال .
ووجوب الحد عليها بلعان الزوج مفضي إلى قتلها إن كانت محصنة ، وفيه إثبات ما نفاه الخبر ، ولأنه قول لا يجب به الحد على غير الزوجة فوجب أن لا يجب به حد على الزوجة كالأيمان طرداً والشهادة عكساً ، قالوا ولأن اللعان عند الشافعي يمين ، وهو لا يحكم بالنكول عليها ، وفي حدها إن امتنعت من اللعان حكم عليها بالنكول ، وهذا تناقض في القول .
ودليلنا قوله تعالى : ( ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ) [ النور : 8 ] وذكر العذاب بالألف واللام يوجب حمله على جنس ، أو معهود فلم يجز حمله على جنس العذاب ، لأنه لا يجب ، فوجب حمله على المعهود وهو الحد لقوله تعالى : ( أو ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) [ النور : 2 ] .
فإن قيل فالجنس معهود في عذاب من امتنع من الحقوق .
قلنا : لا يصح حمله على الجنس من وجهين :
أحدهما : أن الجنس لم يسم في عرف الشرع عذاباً وقد سمي الحد عذاباً ، قال تعالى : ( فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) [ النساء : 25 ] يعني الحد ، فكان حمله على عرف الشرع أولى .
والثاني : أن الله تعالى جعل لعانها يدرأ عنها العذاب الواجب بلعان الزوج ، والجنس لم يجب بلعان الزوج ، وإنما وجب بامتناعها ، فلم يجز حمله عليه ، ولأن ما خرج به الزوج من قذفه جاز أن يجب به الحد على زوجته كالبينة ، ولأن ما ثبت ببينة الزوج ثبت بلعانه كالجنس ، ولأنها أحد الزوجين فوجب أن يدرأ بلعانها الحد كالزوج ، ولأن من حلف على شيء استفيد صدقه فيه كالمتلاعنين ، ولأن لعان الزوج يتضمن إثبات الزنا ونفي الولد ، فلما تعلق بلعانه نفي الولد وجب أن يتعلق به ثبوت الزنا . لأنه أحد مقصودي اللعان ، وثبوت الزنا منها يوجب الحد عليها .
وأما الجواب عن استدلاله بالخير فنحن نقول بموجبه ، لأنه تضمن قتلها بزناها بعد إحصانها وبذلك تقتل لا بغيره . وأما قوله إن ما لا يجب به الحد على غير الزوجة لا يجب به الحد على الزوجة فلا يجوز أن يعتبر في اللعان حكم الزوجة بغيرها