الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص24
وتحريره قياساً : أن تورع بأن قال ما افتقر إلى لفظ الشهادة لم يصح من الأخرس كالشهادة .
ودليلنا : هو أن من صح طلاقه ، وظهاره ، صح قذفه ، ولعانه كالناطق ، ولأن ما اختص به من الحقوق تقوم إشارته فيه مقام نطقه كالعقود ، ولأنه لما صح منه النكاح مع تأكيده بالولي والشاهدين ، فأولى أن يصح منه ما هو أخف من القذف واللعان ، ولأنه لما صح منه الطلاق مع جواز نيابة وكيله فيه أولى أن يصح منه ما لا تجوز النيابة فيه من قذف ولعان ، ولأن الخرس أن لا تمنع من اليمين فوجب أن لا تمنع من اللعان كالطرش .
فأما الجواب عن استدلالهم بأنالإشارة بالقدف كتاية ولا يثبت بها ، فهو أنها كناية من الناطق ، وصريح من الأخرس ، كما يصح النكاح بإشارته وإن لم يصح بالكناية . وأما الجواب عن استدلالهم بالشهادة . فاللعان عندنا يمين ، ويمين الأخرس تصح بالإشارة ، والشهادة فقد جوزها أبو العباس بن سريج بإشارته ، فيكون الأصل على قوله غير مسلم ، والذي عليه جمهور أصحابنا : أنه لا تصح شهادته وإن صح قذفه ولعانه لوقوع الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما أن غيره يقوم مقامه في الشهادة ، ولا يقوم مقامه في القذف .
والثاني : أن القذف واللعان يختصان به فدعت الضرورة إلى إمضائه بإشارته كالنكاح ، والطلاق ، والشهادة لا تختص به فلم تدع الضرورة إلى إمضائها بإشارته والله أعلم .
وقضى رسول الله ( ص ) في الأنصارية التي شدخ اليهودي رأسها فأصمت بإشارتها إلى قاتلها ، وإن شهد علماء الطب بزواله وحدوث برئه لم يجر على إشارته حكم وكان كالناطق المشير ، وإن أشكل على الطب ، وجب التوقف عنه وترك الحكم بإشارته حتى ينتهي بتطاول المدة إلى زمان تيأس فيه من برئه فيحكم حينئذ بخرسه واعتبار إشارته .