الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص58
قال الماوردي : وهذا طلاق معلق بشرطين نبين حكم كل واحد منهما ثم نجمع بينهما ، أما إذا قال لها : طلقي نفسك ، أو قد جعلت إليك طلاق نفسك أو اختاري طلاق نفسك ، فكل ذلك سواء ، وقد ملكها الطلاق فإن عجلت طلاق نفسها في المجلس على الفور في وقت الجواب طلقت ، وإن أخرته حتى تراخى الزمان لم تطلق .
وقال أبو حنيفة : متى طلقت نفسها على الفور أو التراخي طلقت استدلالاً بأنه رد إليها طلاق نفسها كما يرد إلى وكيله طلاقها ، ولو رده إلى الوكيل جاز أن يطلقها على التراخي كذلك إذا رده إليها .
وهذا خطأ ، لأن رد الطلاق إليها تمليك ورده إلى الوكيل استنابة فلزم في التمليك تعجيل القبول كالهبة ، ولم يلزم في الاستنابة تعجيل النيابة كالبيع ، ألا تراه لو قال لرجل : بع عبدي هذا ، جاز أن يبيعه على التراخي ، لأنها وكالة .
ولو قال له : قد بعتك عبدي هذا لزمه قبوله على الفور ؛ لأنه تمليك كذلك الطلاق يجب أن يقع الفرق فيه بين التمليك والتوكيل .
وأما الشرط الثاني : وهو أن يعلق طلاقها بشرط الضمان كقوله : إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق ، فشرط وقوع هذا الطلاق تعجيل الضمان في المجلس على الفور في وقت القبول ، وهو أضيق من وقت الجواب على ما تقدم بيانه .
فإذا تقرر حكم كل واحد من الشرطين على انفراده فمسألة الكتاب أن يجمع بينهما فيقول : قد جعلت إليك طلاق نفسك إن ضمنت إلي ألفاً فيعلق طلاقها بشرطين :
أحدهما : ضمان ألف .
والثاني : أن تطلق نفسها وكلا الشرطين مستحق على الفور لكن من صحتها تقدم الضمان على الطلاق ، فأن عجلت الطلاق قبل الضمان لم تطلق حتى تقدم الضمان على الطلاق ؛ لأنه قد جعل الضمان شرطاً في الطلاق فيلزم تقديمه عليه لأن الشرط مقدم على المشروط فيه ، وإذا لزم تقديم الضمان وتعقيبه بالطلاق فلا يخلو حالها إذا ضمنت الألف وطلقت نفسها من أربعة أحوال :
أحدها : أن تفعلهما على الفور فيصحان ، وقد طلقت ولزمها ضمان الألف .
والثاني : أن تفعلهما على التراخي فيبطلان ولا طلاق ولا ضمان .