الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص602
استعطفته بأن وهبت يومها منه لعائشة رضي الله عنها لعلمها بشدة ميله إليها فعطف لها ، وأمسكها فنزل فيه قول الله تعالى : ( وَإنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلحُ خَيْرٌ ) ( النساء : 128 ) .
والضرب الثاني : أن يكون الشقاق قد أخرجهما إلى قبيح الفعل فتضاربا ، وإلى قبيح القول فتشاتما ، وهو معنى قول الشافعي : وصارا من القول والفعل إلى ما لا يحل لهما ، ولا يحسن فهي الحال التي قال الله تعالى فيها ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنَهُمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أهْلَهِ وَحَكَماً مِنْ أهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِقُ اللهُ بَيْنَهُمَا ) ( النساء : 35 ) فيجب على الحاكم إذا ترافعا إليه فيها أن يختار من أهل الزوج حكماً مرضياً ومن أهلها حكماً مرضياً فإن جعل الحاكم إلى الحكمين الإصلاح بين الزوجين دون الفرقة جاز بل لو فعله الحاكم مبتدئاً قبل ترافع الزوجين إليه أو فعله الحكماء من قبل أنفسهما من غير إذن الحاكم لهما جاز قال الله تعالى ( لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاِّ مَنْ أَمَرَ بَصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) ( النساء : 114 ) وإن أراد الحاكم أن يرد إلى الحكمين الإصلاح إن رأياه أولى ، والفرقة إن رأياها أصلح أو الخلع إن رأياه أنجح ، فهل يصح ذلك من الحكمين بإذن الحاكم من غير توكيل الزوجين أم لا يصح إلا بتوكيلهما على قولين :
أحدهما : يصح ذلك من الحكمين بإذن الحاكم من غير توكيل الزوجين نص عليه الشافعي في كتاب الطلاق من أحكام القرآن ، وبه قال مالك ، ودليله قوله تعالى : فَاْبْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُريدَا إصْلاَحاً يُوَفِقُ اللهُ بَيْنَهُمَا ) ( النساء : 35 ) فكان الدليل فيها من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه خطاب توجه إلى الحاكم فاقتضى أن يكون ما يضمنه من إنفاذ الحكمين من جهة الحاكم دون الزوجين .
والثاني : قوله : ( إِنْ يُرِيدَا إصْلاَحاً ) راجع إلى الحكمين ، فدل على أن الإرادة لهما دون الزوجين .
والثالث : أن إطلاق اسم الحكمين عليهما لنفوذ الحكم جبراً منهما كالحاكم فلم يفتقر ذلك إلى توكيل الزوجين .
وروي أنه شجر بين عقيل بن أبي طالب ، وبين زوجته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة خصومة تنافرا فيها ، وكان سببها أن فاطمة كانت ذات مال تدل بمالها على عقيل وتكثر إذكاره بمن قتل يوم بدر من أهلها فتقول له : ما فعل عتبة ما فعل الوليد ، ما فعل شيبة ، وعقيل يعرض عنها إلى أن دخل ذات يوم ضجراً ، فقالت له : ما فعل عتبة والوليد وشيبة ؟