الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص601
قال الشافعي رحمه الله : ‘ فلما أمر الله تعالى فيما خفنا الشقاق بينهما بالحكمين دل ذلك على أن حكمهما غير حكم الأزواج فإذا اشتبه حالاهما فلم يفعل الرجل الصلح ولا الفرقة ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية وصارا من القول والفعل إلى ما لا يحل لهما ولا يحسن وتماديا بعث الإمام حكماً من أهله وحكماً من أهلها مأمونين برضا الزوجين وتوكيلهما إياهما بأن يجمعا أو يفرقا إذا رأيا ذلك واحتج بقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ثم قال للحكمين هل تدريان ما عليكما ؟ عليكما أن تجمعا إن رأيتما أن تجمعا وأن تفرقا إن رأيتما أن تفرقا فقالت المرأة رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي فقال الرجل أما الفرقة فلا فقال علي كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به فدل أن ذلك ليس للحاكم إلا برضا الزوجين ولو كان ذلك لبعث بغير رضاهما ‘ .
قال الماوردي : وهذا الباب يشتمل على الحكم في نشوز الزوجين ، وهو الشقاق وفي تسميته شقاقاً تأويلان :
أحدهما : لأن كل واحد منهما قد فعل ما شق على صاحبه .
والثاني : لأن كل واحد منهما قد صار في شق بالعداوة والمباينة .
والأصل في ذلك قول الله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَاْبْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُريدَا إصْلاَحاً يُوَفِقُ اللهُ بَيْنَهُمَا ) ( النساء : 35 ) فإذا شاق الزوجان وشقاقهما يكون من جهة الزوجة بنشوزها عنه ، وترك لزومها لحقه ، ويكون من جهة الزوج بعدوله عن إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن لا يكون قد خرجا من المشاقة إلى قبح من فعل كالضرب ولا إلى قبيح من قول كالسب ، فإن الحاكم ينصب لهما أميناً يأمره بالإصلاح بينهما ، وأن يستطيب نفس كل واحد منهما لصاحبه من عفوٍ أو هبةٍ فإن سودة لما هم رسول الله ( ص ) بطلاقها