الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص598
بمداومته ألا ترى أن سائر الحدود تجب بالإقدام على الذنوب لا بمداومتها فكذلك ضرب النشوز مستحق على إبدائه دون ملازمته ، فصار تحرير المذهب في ذلك أن له عند خوف النشوز أن يعظها ، وهل له أن يهجرها أم لا ؟ على وجهين ، وله عند إبداء النشوز أن يعظها ويهجرها ، وهل له أن يضربها أم لا ؟ على قولين : وله عند مقامها على النشوز أن يعظها ويهجرها ويضربها .
أما العظة فهو أن يخوفها بالله تعالى وبنفسه فتخويفها بالله أن يقول لها : اتق الله ، وخافيه ، وأخشي سخطه واحذري عقابه فإن التخويف بالله تعالى من أبلغ الزواجر في ذوي الدين وتخويفها من نفسه أن يقول لها : إن الله تعالى قد أوجب لي عليك حقاً إن منعتيه أباحني ضربك ، وأسقط عني حقك فلا تضري نفسك بما أقابلك على نشوزك إن نشزت بالضرب المؤلم وقطع النفقة الدارة ، فإن تعجيل الوعيد أزجر لمن قلت مراقبته .
وهذه العظة وإن كانت على خوف نشوز لم يتحقق فليس يضاره ، لأنه إن كانت الأمارات التي ظهرت منها لنشوز تبديه كفها عنه ومنعها منه وإن كان لغيره من هم طرأ عليها أو لفترة حدثت منها أو لسهوٍ لحقها لم يضرها أن تعلم ما حكم الله تعالى به في النشوز ، وأما الهجر نوعان :
أحدهما : في الفعل .
والثاني : في الكلام .
فأما الهجر في الفعل فهو المراد بالآية ، وهو الإعراض عنها ، وأن لا يضاجعها في فراش أو يوليها ظهره فيه أو يعتزلها في بيت غيره .
أما هجر الكلام فهو الامتناع من كلامها .
قال الشافعي : لا أرى به بأساً ، فكأنه يرى أن الآية ، وإن لم تضمنه فهو من إحدى الزواجر إلا أن هجر الفعل يجوز أن يستديمه الزوج بحسب ما يراه صلاحاً .
فأما هجر الكلام فلا يجوز أن يستديمه أكثر من ثلاثة أيام ، لما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ لا يحل لمسلم يهجر أخاه فوق ثلاث ، والسابق أسبقهما إلى الجنة ‘ .
وأما الضرب فهو ضرب التأديب والاستصلاح ، وهو كضرب التعزيز لا يجوز أن يبلغ به أدنى الحدود ، ويتوقى بالضرب أربعة أشياء : أن يقتل أو يزمن أو يدمي أو يشين قال الشافعي : ولا يضربها ضرباً مبرحاً ولا مدمياً ولا مزمناً ، ويقي الوجه فالمبرح القاتل ،