الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص597
فإذا تقررت هذه الجملة فهذا الباب مقصور على نشوز الزوجة ولا يخلو حالها من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يخاف نشوزها بإمارات دالة عليه من غير إظهار له مثل أن يكون عادتها أن تلبي دعوته وتسرع إجابته وتظهر كرامته فتعدل عن ذلك ، فلا تلبي له دعوة ولا تسرع له إجابة ولا تظهر له كرامة ولا تلقاه إلا معبسة ولا تجيبه إلا متبرمة لكنها مطيعة له في الفراش ، فهذا من أسباب النشوز وإن لم يكن نشوزاً .
والقسم الثاني : أن يظهر منها ابتداء النشوز الصريح من غير إضرار عليه ولا مداومة له .
والقسم الثالث : أن تصر على النشوز الصريح وتداومه وإذا كان لها النشوز ثلاثة أحوال ، فقد جعل الله تعالى عقوبتها عليه بثلاثة أحكام : وقد اختلف قول الشافعي في العقوبات الثلاث ، هل ترتب على الأحوال الثلاث أم لا ؟ على قولين :
أحدهما : وهو المنصوص عليه في الجديد أن العقوبات مترتبات على أحوالها الثلاث ويكون الترتيب مضمناً في الآية ويكون معناها إن خاف نشوزها وعظها ، فإن أبدت النشوز هجرها ، فإن أقامت على النشوز ضربها ، ويكون هذا الإضمار في ترتيبها كالمضمر في قوله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يَقْتُلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقْطَعَ أَيْدِيهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلاَفٍ ) ( المائدة : 33 ) وإن معناها المضمر فيها : أن يقتلوا إن قتلوا أو يصلبوا إن قتلوا ، وأخذوا المال أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن أخذوا المال ولم يقتلوا ، كذلك آية النشوز ، لأن العقوبات المختلفة يجب أن تكون في ذنوب مختلفة ، ولا تكون كبائر العقوبات لصغائر الذنوب ، ولا صغائر العقوبات لكبائر الذنوب ، فأوجب اختلاف العقوبات أن تكون على اختلاف الذنوب .
والقول الثاني : قاله في القديم وذكر احتماله في هذا الموضع أن العقوبات الثلاث مستحقة في حالين اختلف أصحابنا في كيفيتها على وجهين :
أحدهما : وهو قول البصريين أنه إذا خاف نشوزها وعظها وهجرها فإذا أبدت النشوز ضربها ، وكذلك إذا أقامت عليه .
والوجه الثاني : وهو قول البغداديين أنه إذا خاف نشوزها وعظها ، فإذا أبدت النشوز هجرها وضربها ، وكذلك إذا أقامت عليه ، ووجه هذا القول أن العقوبة هي الضرب وما تقدمه من العظة والهجر إنذار والعقوبة تكون بالإقدام على الذنوب لا