الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص583
والثاني : لا يعطلن من الجماع لأنه أحصن لهن وأغض لطرفهن ، وأبعد للريبة منهن ، فعلى هذا لو كان له إماء سرارى وزوجات فأقام عند الإماء واعتزل الحرائر أو أقام عند واحدة من إمائه واعتزل باقيهن وجميع الحرائر جاز ولا قضاء عليه للحرائر لأن القضاء إنما يجب في القسم المستحق ، وليس مقامه عند الأمة قسماً مستحقاً فلم يقضه وجرى مجرى مقامه معتزلاً عن إمائه ونسائه .
قال الماوردي : وأما إذا ظهر منه إضرار لم يشتبه فيه حاله كف عنه وأمر بإزالته لقول الله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) فأما إذا أشبهت حاله فيه فإن ادعت إسقاط حقها من القسم والنفقة أو تعديه عليها بالضرب وسوء العشرة ، وهو منكر ذاك وغير معترف به ، فعلى الحاكم إذا شكت ذلك إليه أن يسكنها إلى جنب من يثق به من أمنائه ليراعي حالها ، ويأخذه بحقها ويكف أذاه عنها ، فإن الحاكم لتشاغله بعموم الخصوم لا يقدر على مراعاتها بنفسه .
فإن قيل : فليس للزوج أن يسكن زوجته حيث يشاء فلم يجب عليه هاهنا أن يسكنها حيث لا تشاء .
قيل : إنما جاز له ذلك مع زوال الاشتباه وارتفاع الضرر ولا يجوز له ذلك مع خوف الضرر ، وهكذا لو شكى الزوج منها الإضرار وأنها لا تودي حقه ولا تلزم منزله ولا تطيعه إلى الفراش وأنكرت ذلك أسكنها الحاكم إلى جنب من يراعيها من أمنائه ليستوفي منها حق الزوج كما استوفى لها حقها من الزوج .
قال الماوردي : وهذا كما قال ، قال : على الزوج أن يفرد لكل واحدة من نسائه مسكناً ، لأن رسول الله ( ص ) فعل مثل ذلك مع نسائه ، وكما لا يشتركن في النفقة فكذلك لا يشتركن في المسكن ، ولأن بين الضرائر تنافساً وتباغضاً إن اجتمعن خرجن إلى الافتراء والقبح ، ولأنهن إذا اجتمعن شاهدت كل واحدة منهن خلوة الزوج بضرتها ، وذلك مكروه ، وقد روي عن النبي ( ص ) أنه نهى على الوجس ، وهو أن يطأ بحيث يسمع حسه ، فلذلك لزمه أن يفرد لكل واحدة منهن مسكناً فإن أسكنهن في دار واحدة وأفرد لكل واحدة منهن بيتاً منها ، وكانت إذا دخلت توارت عن ضرائرها جاز إذا كان مثلهن بسكن