پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص577

تخبر بذلك أحداً من نسائه فأخبرت به عائشة – رضي الله تعالى عنها – لمصافاة كانت بينهما فتظاهرتا عليه وفي ذلك أنزل الله تعالى : ( يَأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ) ( التحريم : 1 ) . فإن أطال المقام عند غيرها في نهار قسمها أو وطئ فيه غيرها لم يقض مدة مقامه ، وإن شاء ، لأنه أحق بالنهار منها ، لأنه زمان التصرف دون الإيواء فلم يقضه .

فأما الليل فليس له أن يخرج من عندها فيه إلا من ضرورة ، سواء أراد الخروج إلى زوجته أو غير زوجته ، لأنه مقصود القسم فلم يجز أن يفوته عليها ، فإن دعته الضرورة إلى الخروج من عندها ليلاً فخرج لم يأثم ونظر في مدة الخروج ، فإن كان يسيراً لا يقضي مثله كان عفواً ، وإن كان كثيراً يقضي مثله ، كأن خرج نصف الليل أو ثلثه قضاها زمان خروجه ليوفيها حقها من القسم ثم ينظر في مدة الخروج الذي يلزمه قضاؤه ، فإن كان لضرورة عرضت له عند غير زوجة قضاها ذلك الزمان لا من زمان واحدةٍ من نسائه ، وإن كان قد خرج فيه إلى غيرها من نسائه لمرض خاف عليها منه فإن ماتت سقط قسمها ، وقضى صاحبة القسم ما فوته عليها من ليلتها وإن لم تمت قضى صاحبة القسم من ليلة المريضة ما فوته عليها من ليلتها ، فأما ما نقله المزني عن الشافعي ويعودها في مرضها ليلة غيرها فقد كان أبو حامد الإسفراييني ينسب المزني إلى الخطأ في هذا النقل ، ويقول : إن الشافعي إنما قال : ويعودها في مرضها في نهار غيرها ، وهذا الاعتراض فاسد ، ونقل المزني صحيح ، ويجوز له أن يعودها في ليلة غيرها إذا كان مرضها مخوفاً ، لأنه ربما تعجل موتها قبل النهار ففاته حضورها وهو المراد بما نقله المزني ، فأما إن كان مرضها مأموناً لم يكن له عيادتها في الليل حتى يصبح فيعودها نهاراً وإنما قضاء زمان الخروج وإن كان فيه معذوراً ، لأن حقوق الآدميين لا تسقط بالأعذار فلو خرج في ليلتها إلى غيرها فوطئها ثم عاد إليها في الحال فقد اختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه :

أحدها : لا يلزمه قضاؤه لقصوره عن زمان القضاء .

والوجه الثاني : يلزمه قضاء ليلة بكمالها ، لأن مقصود القسم في الليل هو الوطء فإذا وطئ فيه غيرها ، فكأنه فوت عليها جميع الليلة فلذلك لزمه قضاء جميعها من ليلة الموطوءة .

والوجه الثالث : أن عليه في ليلة الموطوءة أن يخرج من عندها إلى هذه فيطأها ثم يعود إلى تلك ليسوي بينهما في فعله ، وهذا في القضاء صحيح وفي الوطء فاسد لاستحقاق الزمان دون الوطء والله أعلم .