الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص570
قال الماوردي : اعلم أن القسم من حقوق الآدميين يجب بالمطالبة ، ويسقط بالعفو ، ولا يجوز المعارضة على تركه كالشفعة ، ويجوز هبته لما روي أن رسول الله ( ص ) مات عن تسع زوجات ، وكان يقسم لثمان منهن ، لأن سودة بنت زمعة أراد طلاقها لعلو سنها ، واستثقال القسم لها فلما علمت ذلك أتته ، فقالت : يا رسول الله قد أحببت أن أحشر في جملة نسائك ، فأمسكني فقد وهبت يومي منك لعائشة – رضي الله تعالى عنها – تريد بذلك التقرب إليه لعلمها بشدة ميله إلى عائشة – رضي الله تعالى عنها – فصار يقسم لعائشة – رضي الله عنها – يومين يومها ويوم سودة ، ويقسم لغيرها من نسائه يوماً يوماً .
قال ابن عباس فنزل عليه في ذلك قوله تعالى : ( فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) ( النساء : 128 ) . فدل هذا الخبر على وجوب القسم ، ودل على جواز هبته .
واختلف أصحابنا في وجوب القسم على رسول الله ( ص ) مع إجماعهم على وجوب القسم على أمته على وجهين :
أحدهما : كان واجباً عليه لهذا الخبر ، ولما رويناه أنه كان يقسم بينهن ، ويقول ‘ اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك يعني قلبه وطيف به في مرضه على نسائه محمولاً حتى حللنه من القسم ، فدل على وجوب القسم عليه ، وعلى جميع أمته .
والوجه الثاني : أنه غير واجب عليه ، وإن كان واجباً على أمته ، وهذا قول أبي سعيد الإصطخري لقول الله تعالى : ( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مِنَ تَشَاءُ ) ( الأحزاب : 51 ) . ولأن وجوب القسم عليه يقطعه على التشاغل بتبليغ الرسالة ، وتوقع الوحي ، وبهذا المعنى فارق جميع أمته .
أحدها : أن تهب ذلك لامرأة بعينها من نسائه .
والثاني : أن تهب ذلك لجميعهن .