الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص405
ويدل عليه من طريق القياس أن كل منفعة صح أن يبذلها الغير عن الغير تبرعاً جاز أن يبذلها مهرهاً ، قياساً على سائر الأعمال المباحة ، ولا يدخل عليه عسيب الفحل لأن المقصود منه الماء ، وهو عين وليست بمنفعة .
فأما الاستدلال بالآية : فنحن نقول بنطقها وهم لا يقولون بدليلها . ونحن وإن قلنا بدليل الخطاب ، فقد نقلنا عنه نطق دليل آخر وأما الخبر فقد روي عن أبي بن كعب تارة وعن عبادة بن الصامت أخرى . وحديث عبادة أثبت ، وأيهما صح فعنه جوابان .
أحدهما : أنه يجوز أن يكون تعليمه للقرآن قد تعين عليه فرضه فلم يجز أن يعتاض عنه .
والثاني : أنه أخذه من غير شرط فلم يستحقه .
وأما قياسهم على طلاق امرأته وعتق أمته فالمعنى فيه أنه لا ينتفع بالطلاق والعتق ، فلم يجز أن يكون صداقاً ، وينتفع بتعليم القرآن فجاز أن يكون صداقاً .
فإن قيل : فهي تنتفع بطلاق زوجته ، أو عتق أمته ، لأنه ينفرد بها .
قيل : ما تستحقه من النفقة والكسوة مع الضرة والأمة مثل ما تستحقه منفردة ، فلم يعد عليها منه نفع .
وأما قياسهم على الصلاة والصيام بعلة أنه قربة ، فمنتقض بكتب المصاحف وبناء المساجد يجوز أن يكون مهراً ، وإن كان قربة .
ثم المعنى في الصلاة والصيام أن النيابة فيهما لا تصح ، وأن نفعهما لا يعود على غير فاعليهما ، وليس كتعليم القرآن الذي يصح فيه النيابة ، ويعود نفعه على غير فاعله .
وأما قولهم أنه فرض فلم يجز أخذ العوض عنه : فهو أنه إن كان فرضاً فهو من فروض الكفايات ويجوز أن تؤخذ الأجرة فيما كان من فروض الكفايات كغسل الموتى ، وحمل الجنائز ، وحفر القبور .
وإذا كان كذلك . فله ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يصدقها تعليم جميع القرآن .
والثاني : تعليم سورة منه .
والثالث : تعليم آيات منه .
الحالة الأولى : أن يصدقها تعليم جميع القرآن فإن أصدقها تعليم جميع القرآن فجميعه معلوم ، وعليه أن يذكر بأي قراءة يلقنها فإن حروف القراء مختلفة في الألفاظ والمعاني ، والسهولة ، والصعوبة .