الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص358
أصله : إذا كان الزوج عبداً ، ولأنه قد ملك عليها بعضها بعد العتق بمهر ملكه غيرها في الرق فوجب أن يكون لها فسخه فيصح أن تملك بالحرية ما كان ممنوعاً عليها في العبودية .
ودليلنا : ما رواه عروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أن النبي ( ص ) خير بريرة ، وكان زوجها عبداً .
فوجه الدليل فيه أن الحكم إذا انتقل مع السبب تعلق الحكم بذلك السبب كما إذا نقل الحكم مع علة تعلق الحكم بتلك العلة ، وقد نقل التخيير بعتقها تحت عبد فوجب أن يكون متعلقاً به .
فإن قيل : فقد روى الأسود عن عائشة أنه كان حراً فتعارضت الروايتان في النقل ، وكانت رواية الحرية أثبت في الحكم ، ألا ترى لو شهد شاهدان بحرية رجل وشهد آخران بعبوديته كان شهادة الحرية أولى من شهادة العبودية كذلك في النقلين المتعارضين .
قيل : روايتنا أنه كان عبداً أولى من روايتهم أنه كان حراً من أربعة أوجه :
أحدها : أن راوي العبودية عن عائشة ثلاثة عروة ، والقاسم ، وعمرة ، وراوي الحرية عنها واحد ، وهو الأسود ورواية الثلاثة أولى من رواية الواحد ، لأنهم من السهو أبعد وإلى التواتر والاستفاضة أقرب وقد قال الله تعالى : ( أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرُ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ) ( البقرة : 282 ) . وروي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد ‘ .
والثاني : أن من ذكرنا أخص بعائشة من الأسود ، لأن عروة بن الزبير هو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر ، والقاسم بن محمد هو ابن أخيها محمد بن أبي بكر ، وعمرة بنت عبد الرحمن ، هي بنت أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر ، فهم من أهلها يستمعون كلامها مشاهدة من غير حجاب ، والأسود أجنبي لا يسمع كلامها إلا من وراء حجاب ، فكانت روايتهم أولى من روايته .
والثالث : أن نقل العبودية يفيد علة الحكم ، ونقل الحرية لا يفيدها ، لأن أحداً لا يجعل حرية الزوج علة في ثبوت الخيار ، والعبودية يجعله علة في ثبوت الخيار فكانت رواية العبودية أولى .
والرابع : أنه قد وافق عائشة في رواية العبودية صحابيان ابن عمر ، وابن عباس وما وافقهما في رواية الحرية أحد ، أما ابن عمر فروى أنه كان عبداً ، وأما ابن عباس فروى عنه خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : كان زوج بريرة عبداً أسود ، يقال له مغيث كأني أراه يطوف خلفها بالمدينة ، ودموعه تسيل على لحيته ، فقال