الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص343
قيل : إنما منع الشرع من أن الطبيعة هي التي تحدث العدوى كما يزعم الطب ، ولا يمنع أن الله تعالى قد جعل فيها العدوى كما جعل في النار الإحراق ، وفي الطعام الشبع ، وفي الماء الري ، وقد قال النبي ( ص ) : ‘ لا يوردن ممرض ذو عاهة على مصح ‘ وامتنع من مبايعة الأجذام .
وروى عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب توجه إلى الشام فلما انتهى إلى سرغ تلقاه أمراء الأجناد وأخبروه بحدوث الطاعون بالشام ، فتوقف عن المسير وشاور المهاجرين في المسير أو الرجوع فاختلفوا ، وشاور الأنصار فاختلفوا وكان عبد الرحمن بن عوف غائباً عنهم فحضر فشاوره عمر فقال عبد الرحمن : إن عندي في هذا علماً قال عمر : ما هو ، قال عبد الرحمن : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : ‘ إذا سمعتم به في واد فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع وأنتم فيه فلا تخرجوا منه ‘ فحمد عمر الله تعالى ورجع ورجع الناس معه .
وروي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ لبن الحمقى يعدي ‘ .
فأما قوله ( ص ) : ‘ فمن أعدى الأول ‘ فالمقصود منه رد قولهم أنه لم يكن إلا من عدوى الأول ، ولولاه ما جربت ، وقال : ‘ من أعدى الأول ‘ أي إذا كان الأول من الله تعالى يعني عدوى كان ما بعده منه .
فإن قيل : فلم أضاف الشافعي العدوى إلى الجذام والبرص ، ولم يضفه إلى الله تعالى .
قيل : على طريق الاستعارة والتوسع في العبارة كما يقال : طالت النخلة ، وقصر الليل وأثمرت الشجرة وإن كان الله تعالى هو الفاعل لذلك .
أحدهما : أن يكون الثاني أقبح منظراً من الأول كأنه كان الأول في فخذها وحدث الثاني في وجهها فله الخيار نص عليه في ‘ الإملاء ‘ لأن النفس من الثاني أشد نفوراً من الأول .
والضرب الثاني : أن يكن مثل الأول في القبح ، كأنه كان الأول في يدها اليمنى والثاني في يدها اليسرى ففيه وجهان :