الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص331
وروى المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير : أن رجلاً أتى ابن عباس فقال : هل لك فيما صنعت نفسك في المتعة حتى صارت به الركاب ، وقال الشاعر :
فقال ابن عباس ما إلى هذا ذهبت ، وقام يوم عرفة فقال : يأيها الناس إنها والله لا تحل لكم إلا ما تحل لكم الميتة والدم ، ولحم الخنزير ، يعني إذا اضطررتم إليها ، ثم رجع عنها فصار الإجماع برجوعه منعقداً والخلاف به مرتفعاً وانعقاد الإجماع بعد ظهور الخلاف أوكد ، لأنه يدل على حجة قاطعة ودليل قاهر .
ومن القياس : أنه حل عقد جاز مطلقاً مؤقتاً كالبيع طرداً والإجارة عكساً ، ولأن للنكاح أحكاماً تتعلق بصحتها وينتفي عن فاسدها ، وهي الطلاق ، والظهار ، والعدة ، والميراث ، فلما انتفت عن المتعة هذه الأحكام دل على فساده كسائر المناكح الفاسدة .
فأما الجواب عن قوله تعالى : ( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) ( النساء : 3 ) فهو أن المتعة غير داخلة في النكاح ، لأن اسم النكاح ينطلق على ما اختص بالدوام لذلك قيل : قد استنكحه المدى لمن دام به ، فلم يدخل فيه المتعة المؤقتة ، ولو جاز أن يكون عاماً لخص بما ذكرنا .
وأما الجواب عن قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَأْتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) ( النساء : 24 ) فمن وجهين :
أحدهما : أن علياً وابن مسعود رويا أنها نسخت بالطلاق ، والعدة ، والميراث .
والثاني : أنها محمولة على الاستمتاع بهن في النكاح ، وقول ابن مسعود إلى أجل مسمى يعني به المهر دون العقد .
وأما حديث سلمة بن الأكوع فالإباحة فيه منسوخة بما رويناه من التحريم الوارد بعده .
وأما تفرد عمر بالنهي عنها فما تفرد به ، وقد وافقه عليه الصحابة ، وإنما كان إماماً فاختص بالإعلان والتأديب ولم يكن بالذي يقدم على تحريم بغير دليل ، ولكانوا قد أقدموا عليه بمسكون عنه ، ألا تراه يقول على المنبر : لا تغالوا في صدقات النساء فلو كانت تكرمة لكان رسول الله ( ص ) أولاكم بها ، فقالت امرأة : أعطانا الله ويمنعنا ابن الخطاب ، فقال عمر : وأين أعطاكن فقالت : بقوله : ( وَءاتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ) ( النساء : 20 ) فقال عمر : كل الناس أفقه من عمر حتى امرأة . .