الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص308
والوجه الثاني : أنها تجب قولاً واحداً ، لأنه لا مطالب بها غير الحاكم ، وليست كحقوق الآدميين التي لها خصم يطلب .
والوجه الثالث : أنها لا تجب قولاً واحداً ، لأن حق الله تعالى في شركهم أعظم ، وقد أقروا عليه فكذلك ما سواه من حقوقه ، وليس كذلك حقوق الآدميين ، لأنهم فيها متشاجرون متظالمون ودار الإسلام تمنع من التظالم – والله أعلم – .
فإن قيل : فكيف لا يحكم بينهم بكتابهم ، وقد قال الله : ( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاَة فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ) ( المائدة : 44 ) . وقد أحضر رسول الله ( ص ) التوراة حين رجم اليهوديين حتى رجمهما لما فيها من الرجم .
قيل : أما الآية فتضمنت صفة التوراة على ما كانت من الهدى والنور ، وأنه كان يحكم بها النبيون وكذا كان حالها ثم غيرت حين بدل أهلها كما قال تعالى : ( تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً ) ( الأنعام : 91 ) . ومع تغيرهم لها وتبديلهم فيها لا يتميز الحق من الباطل فوجب العدول عنها ، وأما إحضاره التوراة عند رجم اليهوديين ، فلأنه حين حكم عليها بالرجم أخبر اليهود أن في التوراة فأنكروه فأمر بإحضارها لتكذيبهم ، فلما حضرت ترك ابن صوريا وهو أحد أحبارهم يده على ذكر الرجم ، فأمره رسول الله ( ص ) برفع يده فإذا آية الرجم تلوح فكان إحضارها رداً لإنكارهم وإظهاراً لتكذيبهم ، لا لأن يحكم بها عليهم لأنه قد حكم بالرجم قبل حضورها – والله أعلم – .