الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص225
صدورهم وهم أهل كتاب وقد أخذ رسول الله ( ص ) وأبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما منهم الجزية ‘ .
فنكح الملك أخته ، وأمسكوا عن الإنكار عليه ، إما متابعة لرأيه ، وإما خوفاً من سطوته فأصبحوا وقد أسرى بكتابهم ، فعلى هذا القول يجوز إقرارهم بالجزية ؛ وهل يجوز أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : يجوز لإجراء حكم الكتاب عليهم .
والوجه الثاني : لا يجوز ؛ لأن طريق كتابهم الاجتهاد دون النص فقصر حكمه عن حكم النص .
وقال آخرون من أصحابنا : ليس ما اختلف نص الشافعي عليه اختلاف قوليه فيه إنما هو على اختلاف حالين ، فالموضع الذي قال إنهم أهل كتاب يعني في قبول الجزية وحدها حقنا لدمائهم أن لا تستباح بالشك ، والموضع الذي قال : إنهم غير أهل الكتاب يعني في أن لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم ، وهذا قول سائر الصحابة ، والتابعين ، والفقهاء ، وخالف أبو ثور فجوز أكل ذبائحهم ، ونكاح نسائهم وروى إبراهيم الحربي : تحريم ذلك عن سبعة عشر صحابياً ؛ وقال : ما كنا نعرف خلافاً فيه حتى جاءنا خلافاً من الكرخ يعني خلاف أبي ثور ؛ لأنه كان يسكن كرخ بغداد واستدل أبو ثور على أكل ذبائحهم ، وجواز مناكحتهم بحديث عبد الرحمن بن عوف أن النبي ( ص ) قال : ‘ سنوا بهم سنة أهل الكتاب ‘ قال : وقد تزوج حذيفة بن اليمان مجوسية بالعراق فاستنزله عنها عمر فطلقها ، فلو لم يجز لأنكر عليه ولفرق بينهما من غير طلاق ؛ ولأن كل صنفٍ جاز قبول جزيتهم جاز أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم كاليهود والنصارى ، قالوا : ولأن كتاب اليهود والنصارى نسخ وكتاب المجوس رفع ، ولا فرق بين حكم المنسوخ والمرفوع ؛ فلما لم يمنع نسخ كتابي اليهود والنصارى من أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم لم يمنع رفع كتاب المجوس من ذلك ، وهذا خطأ ؛ لأن إبراهيم الحربي . رواه عن سبعة عشر صحابياً لا يعرف لهم مخالفاً فصار إجماعاً ؛ لأن من لم يتمسك بكتاب لم تحل ذبائحهم ونسائهم كعبدة الأوثان ، وليس للمجوس كتاب يتمسكون به كما يتمسك اليهود والنصارى بالتوراة والإنجيل فوجب أن يكون حكمهم مخالفاً لحكمهم ولأن نكاح المشركات محظور بعموم النص فلم يجز أن يستباح باحتمال ؛ ولأن عمر مع الصحابة توافقوا في قبول جزيتهم للشك فيهم فكيف يجوز مع هذا الشك أن يستبيح أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم .
وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري يسأله كيف أخذ الناس الجزية من المجوس وأقروهم على عبادة النيران ، وهم كعبدة الأوثان فكتب إليه الحسن ، إنما أخذوا منهم الجزية ، لأن العلاء بن الحضرمي ، وكان خليفة رسول الله ( ص ) على البحرين أخذها