الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص220
قال الماوردي : اعلم أن المشركين على ثلاثة أقسام : قسم هم أهل كتاب وقسم ليس لهم كتاب ، وقسم لهم شبهة كتاب .
فأما القسم الأول : وهم أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى فكتاب اليهود التوراة ونبيهم موسى وكتاب النصارى الإنجيل ونبيهم عيسى ، وكلا الكتابين كلام الله ومنزل من عنده قال الله تعالى : ( وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدَىً للنَّاسِ ) ( آل عمران : 3 – 4 ) قد نسخ الكتابان والشريعتان أما الإنجيل فمنسوخ بالقرآن ، والنصرانية منسوخة بشريعة الإسلام ، وأما التوراة ودين اليهودية فقد اختلف أصحابنا بماذا نسخ على وجهين :
أحدهما : أن التوراة منسوخة بالإنجيل واليهودية منسوخة بالنصرانية ثم نسخ القرآن الإنجيل ، ونسخ الإسلام النصرانية ، وهذا أظهر الوجهين ؛ لأن عيسى عليه السلام قد دعا اليهود إلى دينه واحتج عليهم بإنجيله فلو لم ينسخ دينهم بدينه وكتابهم بكتابه لأقرهم ولدعى غيرهم .
والوجه الثاني : أن التوراة منسوخة بالقرآن واليهودية منسوخة بالإسلام ، وأن ما لم يغير من التوراة قبل القرآن حق ، وما تغير من اليهودية قبل الإسلام حق وأن عيسى إنما دعى اليهود ؛ لأنهم غيروا كتابهم وبدلوا دينهم فنسخ بالإنجيل ما غيروه من توراتهم وبالنصرانية ما بدلوه من يهوديتهم ، ثم نسخ القرآن حينئذٍ جميع توراتهم ، ونسخ الإسلام جميع يهوديتهم لأن الأنبياء قد كانوا يحفظون من الشرائع التبديل ، وينسخون منها ما تقتضيه المصلحة ، كما نسخ الإسلام في آخر الوحي خاصاً من أوله فأما نسخ الشرائع المتقدمة على العموم فلم يكن إلا بالإسلام الذي هو خاتمة الشرائع ، بالقرآن الذي هو خاتمة الكتب ، فعلى الوجه الأول يكون الداخل في اليهودية بعد عيسى على باطل ، وعلى الوجه الثاني على حق ما لم يكن ممن غير وبدل ، فأما بعد الإسلام فالداخل في اليهودية والنصرانية على باطل .