الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج9-ص48
قال الماوردي : وهذا الأمر المروي عن عمر وإن كان دليلاً على إبطال النكاح بغير ولي فالمقصود به يتعلق على المتناكحين بغير ولي من الأحكام ، فإذا تناكح الزوجان بغير ولي فلا يخلو حالهما من أن يترافعا فيه إلى حاكمٍ أم لا فإن ترافعا فيه إلى حاكم لم يخل حال الحاكم من أحد أمرين : إما أن يكون شافعياً يرى إبطال النكاح بغير ولي ، أو يكون حنيفاً يرى جواز النكاح بغير ولي ، فإن كان شافعياً يرى إبطال النكاح بغير ولي ، حكم بإبطاله وفرق بينهما فإن اجتمعا حكم فيه بمذهبه ، وقضى بينهما ، على الإصابة بعد تفريق الحاكم بينهما كانا زانيين عليهما الحد ، لأن شبهة العقد قد ارتفعت بحكم الحاكم بينهما بالفرقة ، فلو ترافعا بعد إبطال الحاكم الشافعي إلى حاكم حنفي لم يكن له أن يحكم بجوازه لنفوذ الحكم بإبطاله وإن كان في الابتداء قد ترافعا إلى حاكم حنفي يرى صحة النكاح بغير ولي فحكم بينهما بصحته ، وأذن لهما بالاجتماع فيه فلم يكن عليهما في الإصابة حد لنفوذ الحكم بالإباحة ، فلو ترافعا بعد حكم الحنفي بصحة إلى حاكم شافعي فهل له أن يحكم بإبطاله وينقض حكم الحنفي بصحته وإمضائه أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : له الحكم بإبطاله ونقض حكم الحنفي بإمضائه ، لما فيه من مخالفة النص في قوله : ‘ فنكاحها باطل ‘ ثلاثاً .
والوجه الثاني : أنه ليس له أن ينقض حكماً قد نفذ باجتهاد ، والنص فيه من أخبار الآحاد .
أحدهما : أن يعتقدا الإباحة .
والثاني : أن يعتقدا تحريمه .
والثالث : أن يجهلا حكمه ، فإن اعتقدا الإباحة لاعتقادهما مذهب أبي حنيفة فيه فلا حد عليهما ، لاستباحتهما له من اجتهاد مسوغ ، فإن قيل : أفليس لو شرب النبيذ من اعتقد مذهب أبي حنيفة في إباحته حددتموه ، فهلا حددتم هذا مع اعتقاده إباحته . قيل : الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن الشبهة في النكاح بغير ولي أقوى لتردده بين أصلي حظر من زنا وإباحة من نكاح ، وإباحة الشبهة في النبيذ الذي لا يرجع إلا إلى أصل واحد في الحظر والتحريم ، وهو الخمر .
والثاني : أن النكاح الذي عقده ولى قد جعل له سبيل إلى استباحته بولي فاقتصر في الزجر عنه على مجرد النهي ، وليس كالنبيذ الذي لا سبيل إلى استباحته فلم يقتصر في الزجر عنه على مجرد النهي حتى يضم إليه حكم هو أبلغ في الزجر ، ليكون أمنع من الإقدام عليه .